صحيفة اليوم

هجريات

كنت احسب ان العصامية في هذا العصر كالغراب الاعصم من الندرة في الوجود.الا أن الشاب صلاح عبدالله بن هندي نفى هذا الاعتقاد، وأعاد لي ثقتي في هذه الصفة الانسانية السامية.كنت بالفعل أحسب ان الثقة بالنفس والاعتماد عليها، ودفعها الى الامام، ومن ثم الى الأعلى. قد ماتت بموت العقاد.الا ان صلاح بعثها في نفسي. وارانى اياها في شخصه المثابر المواجه لصعاب الحياة بقوة ايمانه بربه، ثم بنفسه ثم بأهدافه العلمية والثقافية السامية التي يطمح اليها ويتسلق صخور المعاناة الحياتية للوصول اليها.صلاح بن هندي شاب احسائي، نفى عن نفسه الكسل والتواكل والتواني، فانطلق يتعامل مع الحياة بواقعية مكشوفة، وقد صدق في قوله عن نفسه: ==1==جســور ارخص اللذات طرا==0====0==لهذا قال عني الناس:قرما==2==فدرس وتعلم بجهد ذاتي رغم مسئولياته العائلية والوظيفية، حتى اشرف على الجامعة هذا من ناحية..ومن ناحية اخرى عكف على امهات الكتب التراثية وكل ماهو مفيد من الكتب المعاصرة في الشعر والنقد والادب بعامة.. فاثمر واينع.فكتب المقالة الهادفة الناقدة بوجهة نظر معاصرة ومتزنة.وكتب الشعر بموهبة واصالة، حتى اخرج لنا - على استحياء - ديوانه الاول الموسوم (على استحياء).وكتب المقامة التي هي من اصعب الفنون الادبية، اذا استوفرت شروطها من حيث اللغة والموضوع والسجع غير المتكلف، والرسالة الادبية والاجتماعية.ولقد ابدع في ذلك بشهادة من سمعه من كبار مثقفي الاحساء في امسية الشيخ احمد آل مبارك.صلاح بن هندي.. بشرت به شاعرا في هذه الجريدة، في زاويتي (شاعر من الاحساء) في العدد 9166 الصادر يوم الاثنين 26/ربيع الاول 1419هـ.ولم تمض بضع سنوات حتى خرج بلبله الملون الجميل الصوت من قفصه (على استحياء)، لنرى فيه باكورة انتاجه الشعري يقف على قدميه منتصبا في مكتبة الاحساء الشعرية ليضيف الى نخيل الاحساء الشعرية نخلة سامقة باسقة خضراء نجد فيها الظل والتمر والجمال.هذا الديوان حوى اكثر من 45 قصيدة ومقطوعة، بها من شعر التفعيلة الشيء القليل، الا ان العمودي غلب على قصائده.واذا اتفق اغلب النقاد على ان قصائد المناسبات قد يخلو غالبها من النكهة الشعرية ونوافقهم على ذلك، الا ان مثل هذا النهج عند صلاح يختلف لان المناسبة عنده اذا لم تختلج بنفسه وعاطفته فلا يكتب فيها.ولنضرب لك مثلا وهو ما كتبه في ابن المقرب العيوني الشاعر المعروف.اسمعه يخاطبه، وقد شخصه امامه كانه حقيقة فيقول:==1==سريا (علي) الــــى العراق ومجده==0====0==فعـــــليه جذلــــــى تهطـــل الأنداءأرض (الرشيد) وأرض (مأمون) التي==0====0==مـــــــــــــن غرسها العلماء والادباءأرض الفــــــــلاسفة الذين لعلمهم==0== ==0==دهــــــــش اللبيب، وطأطأ الحكماءالمجد لاح بأفقها فـــــي نشـــــوة==0====0==فكــــــأنما لعبــت بــــه الصــــــهباءواليـــــــوم لا مجـد يلـــــوح وإنمــــا==0====0==فـــــــي الرافـــدين الــــذل والأدواء==2==الديوان عبارة عن حديقة احسائية غناءبجداولها وازهارها واعشابها وما تزخر به من نباتات وفرشات واطيار، حتى ان الديوان خرج من اطار الرتابة في التصنيف فتجد المرثية قبل الغزلية وبعد المديح.. وابن الثلاثين قلما يتفوه بالحكمة او يتقن نسجها الا ان ما مر على شاعرنا من مفارقات جعلت منه ناطقا بالحكمة بعدما استوعب درسها.وهي مبثوثة في الديوان واليك عزيزي القارىء هذه الابيات من قصيدة (هي الحياة)==1==هــــي الحياة- وإن جادت سحائبها==0====0==فـــــإنــــــــها لذة ممزوجة ألـــــــمانسبها تارة مــــــن هــــــول وطأتها==0====0==وتــــــارة نلتم الكفيــــــن والقــــدماعجبت منــــا وقد همنـــــا بدوحتها==0====0==اما نرى فــــــــوقها الغربان والرخماهـــــي الحيــــاة وإن رقت طبائعها==0== ==0==لابد يــــــــوما تــــريك الضد والندماتناقض العيش من أقسى فجائعها==0====0==يمسي به الحر مهمـــوما وقد برما==2==عزيزي القارىءهذا جانب من جوانب شاعرنا الشاب صلاح قد لا نوفيه حقه من العرض ولكنه جهد المقل..وماهو الا احتفاء متواضع بميلاد شاعر احسائي طرق مكتبة الشعر هنا على استحياء، نرجو ان يمخر عباب بحور الشعر ويبلور لنا ثقته في نفسه قصائد رائعة بل دواوين نابضة بالحب والامل والتفاؤل بالمستقبل دون خجل او حياء، فان الموهبة موجودة والعدة كذلك موجودة من ثقافة وعلم، فلا مجال للحياء هنا لان الحياء في العلم آفة تأكل اخضره ويابسه.. فحياك الله يا صلاح في واحة الادب الاحسائي لا شاعرا فقط بل اديبا سيشار اليه بالبنان قريبا ان شاء الله.