نجيب عبدالرحمن الزامل

ما نحنُ إلا ومَضاتٌ في خطِّ الزمن

.. من رأى القمرَ منعكسا على صفحة مياه نهرٍ أو غدير؟ لا يهم، فقد مضى من رأى، ويبقى ضوءُ القمر، وتبقى انعكاساتُ شعاعاتِه الذهبية متناثرة كقطع نقودٍ ذهبيةٍ براقةٍ اختلطتْ مع فضّة المياه.. من رأى لأول مرّةٍ الشمسَ يتسلل ضوءُها عبر شقوق الجبال كأول إعلانات النهار؟ لا يهم، فقد مضى من رأى، وبقيت سرمديةً إشراقاتُ الشمس، وبقيت أبدياً منتصبةً الجبالُ. إن حياة البشر لا تنتهي من القدوم ولا تقف عن المضي.. كتلك القطع الفضية المتناثرة في الفضة تغور مع أول لمحة نور، ويبقى المكانُ، ويستمر المصدر..

لطالما حار الإنسانُ بالزمن، قاسه بعقله بكل معادلات العلوم الفيزيائية والرياضية، ولطالما قاسه روحيا، وبقي حائرا في فحواه ومادته ومعناه.. بينما نأتي ونمضي عبر خط الزمن كالومضات الخاطفة بسلسلة نورٍ زمنيٍّ إلى أن يشاء الله.

‏كل مرة أقابله أرى نورَ قلبه يفيضُ من عينيه، يشوب ملامحه خجلٌ باسمٌ وصارم. كان صفاءُ عقلِهِ وراء صفاء رؤيته بما كان يساهم في إنهاض مجتمعه حبا لناسه ولوطنه.. كان صريحا وكان محبا، كان قويا وكان رقيقا، كان ناصحا ومتواضعاويبقى الحائرون كثيرين، ولن تنتهي حيرتهم، حيرةٌ تبدأ ولا تنتهي، أسئلةٌ تتقافز بالعقل احتجاجا أو فضولا أو غضبا أو مكابرة أو سعيا لكشف سرِّ الأسرار.. والأسرارُ عصيّةٌ لا تنساح غطاءاتُها.. الناجون من الحيرة هم أصحابُ هدوءٍ نفسيٍّ ثابت، لا يعرف، ولكنه يقتنع، لا يقتنع بالتحليل المادي، وإنما يقتنع باليقين الإيماني بأنها مشيئة الخالق العظيم، وهو أعدل العدول.. لإيمان بذلك سبيلُ الراحةِ الأوحد.. لا بديل!إن الإيمان هو الذي يضع الهيكلَ المحيط لكل وجودنا العقلي المادي، والروحي الأثيري، والمعيشي الغريزي..إن استدعاءاتٍ إيمانيةً تثور بالنفس لا لتشعلها بل لتهدئتها، وتضطرم في بؤرة العقل لا لتهييج تساؤلاته، ولكن لفتح اتساعات معرفة حدوده تأتي عندما يختار اللهُ عبدا من عباده بصفات فكرية وعقلية وروحية صُهرت معا لتكون إنسانا تفيض منه المعاني الإنسانية بصفائها، فتحضرك هذه الاستدعاءات، وتربِّتُ على قلبك مباشرة، وتمسح برقة على دموعك، ثم تأخذ رأسَك وتسنده على صدرِ الرضا، وسعادةٌ عبر الحزن بعيدة راسخة تعدك بأن عبدا كهذا، اصطفاه ربه واختاره لمكان أسعد مما كان به.. وماذا نريد لأحبابنا؟ لا نريد لهم إلا أن يكونوا أكثر سعادة. إنه الرضا وهو من نتاج الإيمان.. الإيمانُ النابع من اليقين. كان أخونا وحبيبنا وزميلنا بهذه الجريدة "سمير بن عبدالرحمن المقرن" يرحمه الله، الذي أضاء ذهـَبـَاً ومضى، كل مرة أقابله أرى نورَ قلبه يفيضُ من عينيه، يشوب ملامحه خجلٌ باسمٌ وصارم. كان صفاءُ عقلِهِ وراء صفاء رؤيته بما كان يساهم في إنهاض مجتمعه حبا لناسه ولوطنه.. كان صريحا وكان محبا، كان قويا وكان رقيقا، كان ناصحا ومتواضعا.. سيبقى حبيبـُنا سمير معنا بقلوبنا في مماته، كما أبقانا معه بقلبه في حياته..اللهم اجعله بمكان أسعد مما كان به، وارفعه لمقام من تحب من المصطفين في أعالي الجنان، وقدِّر له يا إلهي أن يكون باستقبال من أحبَّ باسما على بوابات الفردوس. آمين..