الراية ـــــ قطر

إعمار العراق بين الكذابين والمرتشين

يعتبر الاقتصاد العراقي من اهم واكبر الاقتصادات العربية من حيث الحجم قياسا بالناتج المحلي الاجمالي.ووفقا لحساباتهم الدنيا توقع فريق أميركي كونته مؤسسة أبحاث مجلس العلاقات الخارجية في تقرير بعنوان العراق.. اليوم التالي نشر قبل الحرب بأسبوع، أن يتكلف الوضع في العراق 20 مليار دولار سنويًّا ولعدة أعوام، واقتصر لإعادة الإعمار 2.5 مليار دولار فقط و500 مليون دولار للمساعدات الإنسانية في العام الأول ، في حين توقع محللون اقتصاديون مستقلون أن يصل إجمالي تكاليف إعمار العراق حتي تستطيع الدولة النهوض مجددا وتلافي أثر الحروب تماما، حوالي 500 مليار دولار يتوقف ثباتها علي سرعة الإنجاز.ويظهر هنا تضليل ادعاءات الأميريكيين العرب الذين روجوا لمستقبل عراقي زاهر بأيد أميركية علي غرار مشروع مارشال الأوروبي عقب الحرب العالمية الثانية، متجاهلين عن عمد أن مارشال لم يكن من باب الإنسانية والإيثار بل كانت رؤية مستقبلية بعيدة المدي تتوافق مع الطبيعة البراجماتية للرأسمالية من أجل مصالح ذاتية في كفاحهم ضد الشيوعية، فقد أدرك قادة أميركا أن تبنيهم للازدهار والاستقرار والديمقراطية في مواجهتها هو بنفس درجة أهمية بناء قوتهم العسكرية.فالناطق باسم البيت الأبيض آري فلايشر قالها بصراحة أن بإمكان العراق ان يدفع تكاليف إعادة بنائه، بالرغم من تحذير الخبراء بأن الأمر سيستغرق سنوات قبل ان تعود حقول العراق الي كامل قدراتها الانتاجية، فالنفط العراقي الذي صار غنيمة حرب للشركات الأميركية، لن يسعف لمخططات الإعمارالتي قد تقتصر علي إعادة تفعيل هذه الآبار لتبقي منجما دائما لآلة المحتل، وأداة لإتمام السيطرة علي الاقتصاد العالمي.أما الاتحاد الأوروبي فقيادته كانت تراهن علي طول أمد الحرب وترغب في الكعكة العراقية ولكنها تتفهم مدي الأطماع الأميركية وتتخوف مراوغة دبلوماسيتها في ظل غياب إطار دولي مستقل، فتنبهت إلي المغزى الإمبريالي للحملة، وأعلنت المفوضية الاوروبية، علي لسان كريس باتن مفوض العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي.. قبل الحرب بأيام أن أوروبا لن تكون مستعدة لتمويل إعمار العراق إذا مضت الولايات المتحدة وحدها وشنت حربا دون تفويض من الأمم المتحدة.ومع ظهور أول دلالات الانتصار العسكري الأميركي علي العراق، كان ثمة مطامع دولية بدأت تتبلور، فخلال المباحثات الداخلية لوزراء الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو مارست فرنسا ضغوطا وبدعم من ألمانيا وبريطانيا في انقلاب مفاجيء علي تبعيتها علي كولن باول لأن يكون للأمم المتحدة دور أساسي في العراق، حيث أصر وزير الخارجية الأميركي علي حصر دورها في الجانب الإنساني، وكان باول صريحا وواضحا في قوله لنظرائه الأوروبيين نحن نضحي بالبشر والأموال من أجل الإطاحة بصدام حسين، فيجب علي الفرنسيين والروس والألمان، وهي الدول التي تركتنا نقوم بالحرب بمفردنا، وتصدت لنا داخل مجلس الأمن، أن يزيلوا من أذهانهم مجرد التفكير، في أننا بعد أن قدمنا هذه التضحيات أن نضع لهم الكعكة العراقية طازجة علي المائدة دون أن يتكلفوا شيئا .وكان مأزق حكومات الدول الأوروبية، أن تقع تحت ضغوط من قبل شركات بلادها للحصول علي عقود في عمليات إعادة إعمار العراق، ولذلك خففت، هذه الدول لهجة انتقاداتها للحرب بل أعلنت رغبتها في نجاح الغزو الأميركي.وعلي الرغم من توقع هيمنة الشركات الامريكية علي حصة الأسد في عقود إعادة إعمار العراق المزعومة ، فإن بعض الشركات الصناعية الأوروبية تري أنه بفضل خبراتها وتخصصاتها ستسهل لها الحصول علي جزء من تلك العقود، ومن بين هذه الشركات عدد من شركات الصناعات الهندسية الأوروبية الكبري، التي تمتاز بخبرات وتخصصات بعضها فريد ومتطور، والتي تسعي إلي الحصول علي عقود بمليارات الدولارات في المجالات المتنوعة للبني الاساسية.. وسارعت الدول المتزيلة لبيت الطاعة الأميركي، للظفر بأي ثمرة للخضوع الانتهازي، فدخلت الصراع تحت مبدأ التقاط ما يجود به السيد فصرحت أسبانيا واستراليا أنهما تتوقعان أن ترد لها الولايات المتحدة الجميل عن مشاركتها في الحرب العراقية بمنح أفضلية لشركاتهما في سباق إعادة بناء العراق، وبعثت مدريد بوفد من كبار المسؤولين إلي واشنطن لبحث مشاركة أسبانيا في عملية الاعمار.وأمام الأطماع الأميركية التي أخافت الأصدقاء أيضا، ظهر شرخ غير مسبوق في العلاقات الامريكية البريطانية، فقد علقت شبكة بي بي سي البريطانية علي الزيارة التي قام بها توني بلير للولايات المتحدة، أثناء الحرب، وقالت إن الهدف من تلك الزيارة ليس لمناقشة خطط واستراتيجيات الحرب كما يتردد بل لمناقشة تصورات وخطط ما بعد الحرب، حيث ألمحت الشبكة إلي الاهتمام التي تشهده بريطانيا بهذا الموضوع خشية أن يسمح للشركات الأميركية فقط أن تحصل علي كل قيمة العقود، لذا تأتي زيارة بلير لمناقشة الخلاف حول كيفية بناء العراق والتأكيد علي حق شركات بلاده في أخذ نصيبها من عقود الكعكة العراقية..وأما المشهد العربي فقد بدا فيه جليا، قبل الحرب وبعدها، قلق المؤسسات الرأسمالية العربية الحكومية والخاصة من التجاهل المحتمل لدورهم في إعمار العراق، ومع بداية صراع الدول والشركات الكبري علي التورتة أثناء الحرب، قررت شركات سعودية ومصرية وأردنية وإماراتية وأميريكية التحالف لمساندة بعضها والاستفادة من علاقاتها المتباينة مع الطرف المنتصر أيا كان، بينما سعت الشركات الاردنية إلي اعتمادها كمصدر للمواد الخام اللازمة للشركات العالمية التي ستتولي الإعمار بعد استقرار الوضع الأمني في المنطقة.وحتي الآن لم يتلق مسؤولو القطاع الخاص العربي، وفق تصريحاتهم خلال المؤتمر الاقتصادي لدول الشمال الأفريقي بالدار البيضاء، أية إشارة من اللجنة الأميركية المكلفة بموضوع اعادة اعمار العراق، رغم تأكيدهم المستمر الاستعداد للقيام بدور متقدم فيه.ويبدو أن مجموعة( الكاوبويز) التي تحكم أمريكا كانت تخطط لمكتسبات فردية خلف قداسة الحملة الصليبية الجديدة فقد تورط ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي في شبهة الارتشاء من شركة هالبيرتون التي كان يتولى رئاسة مجلسها التنفيذي سابقا، مقابل معاملة تفضيلية، دون مناقصة، نتج عنها فوزها بعقود لمكافحة الحرائق التي توقعوا اندلاعها جراء الحرب في حقول النفط العراقي وطالب عضوان من الحزب الديمقراطي بالكونجرس بالتحقيق في هذه العقود، وذكرت صحيفة الجارديان اللندنية أن المدفوعات التي ظهرت في الكشف المالي لشيني عن عام 2001 كتعويضات مؤجلة بلغت مليون دولار خلال عام.