د. أمل الطعيمي

المتسدحون الساهرون

لا أذكر متى بدأ نظام تحويل إجازة نهاية الأسبوع من يوم إلى يومين فكل الذي أذكره أننا قبل أربعة عقود من الزمن أو قبلها أو بعدها بقليل كانت الإجازة  يوماً واحداً هو الجمعة وكان للخميس لذة لاتضاهيها لذة قطعة من كعكة شوكولاته دافئة في يد طفل وكان الخميس بالنسبة للطلاب نصف دوام فكنا نخرج إلى بيوتنا بعد الحصة الخامسة لتبدأ إجازة لا تخلو من واجبات كثيرة . لا يساعدنا فيها أحد فالأمهات في الغالب لا يقرأن ولا يكتبن وكذلك الآباء وحتى من يعرف منهم لا يمكن أن يمد يد العون لأبنائه إلا بالسؤال عن احتياجهم وبتوجيههم بأمر واحد لا يتكرر ( سو واجباتك ) ويخرج الأهالي من البيوت للزيارات أو غيرها وهم على ثقة بأن الواجبات قد انتهت لأن الجمعة  لايمكن أن ينتهي بدون خروج العائلة بالكامل إلى البحر ( هاف مون) صيفاً والبر شتاء .لم يكن هناك معلم خاص يأتي ليساعد الأبناء على حل الواجب الذي يتكون من كتابة قطعة القراءة الطويلة -صفحة ونصف غالباً - مرتين بهدف تقويم الإملاء وتحسين الخطوط وهذا غير الحساب والقرآن الكريم والمواد الأخرى . وهناك من يفعل كل ذلك ،  وهناك من يتهاون ولكنه في النهاية سيعود إلى جادة الصواب لأنه يرى أن كل شيء حوله يقول له أنت المسئول عن نفسك رسوبك عليك ونجاحك لك . لم يكن هناك معلم خاص يأتي ليساعد الأبناء على حل الواجب الذي يتكون من كتابة قطعة القراءة الطويلة -صفحة ونصف غالباً - مرتين بهدف تقويم الإملاء وتحسين الخطوط وهذا غير الحساب والقرآن الكريم والمواد الأخرى . وهناك من يفعل كل ذلك ،  وهناك من يتهاون ولكنه في النهاية سيعود إلى جادة الصواب لأنه يرى أن كل شيء حوله يقول له أنت المسئول عن نفسك رسوبك عليك ونجاحك لككانت الخطوط جميلة والكتابة خالية من الأخطاء والقراءة متميزة . ولم تكن البيوت تعرف ميري وليزا فكبار البنات يقمن بأعمال المنزل مع الأم بالإضافة لأعباء الدراسة ، والشباب لهم مهام أخرى ليس أقلها استمرار صب القهوة والشاي لضيوف الوالد وفي بيئات أخرى قد يعملون بما يمتهن الأب لو كان مزارعاً أو صياد سمك . اليوم كل هذا تغير فالخدمة في البيوت لاتختلف عن الخدمة في المطاعم وما على الكبار والصغار إلا أن يرفعوا أصواتهم وينادوا عاملة البيت أو ربما الثانية والثالثة فبعض البيوت يكون الخدم فيها بعدد الأطفال تلاحقه أينما ذهب تطعمه وتحممه وتلبسه بانتظار موعد الأستاذ فيجلس معه ليلقنه في المساء ما تعلمه في الصباح ولسان حاله يقول :( علم في المتبلم يصبح ناسي ) ولكنه يريد أن يقبض المال فليسهل  له حل الواجبات النادرة حتى يرضى الابن فيدفع الأهل . وتكون النتائج مروعة فالطفل مصاب بالأنيميا وبمعدل كل شهر هناك علة ما ويصل إلى المرحلة الثانوية وهو لا يعرف عاصمة الدول المجاورة له واذا كتب تمنيته لم يفعل وخاصة إذا أمليته سطراً بلغة سليمة فقد تجده كتب ( شكرن لكي يا أمي على جوهودك معناء ) واذا طلبت منه القراءة ستذكر قول حياة الفهد ( ياليت أمك يوم جابتك بركت عليك ).  يتكلمون عن التطوير في المناهج وعن التعليم بالآي باد الذي يتلاعب به الصغار بمهارة لا تقارن بالكبار ولكنه لا يعرف فيه سوى الألعاب والتصوير ومقاطع الضحك المستمر !! بدانة وقلة فطنة واتكالية وتهافت على التفاهات فالطفل يعدد لك اسماء ماركات الملابس كلها ولكنه لا يعرف ثلاث دول عربية  و يرسل لك في النهاية نكتة أو ربما حقيقة عن رئيس افريقي يقال انه سيجعل اجازة نهاية الأسبوع ثلاثة أيام ويطالب بمثلها !! إجازة من ماذا ؟ أمن ألعاب الكمبيوتر أو المطاعم أو خدمة النجوم الخمس التي تتمتع بها في بيتك بين خادمتين وسائق تلك تحضر لك الماء وقد تمسك لك بالكأس حتى تنتهي والآخر يأتي لك بالآيس كريم من فرع خاص أنت لا تأكل إلا منه ثم يعرج على المقهى الذي لا تأكل الحلويات إلا منه ، وأخرى تجاهد لتدخل الجوارب في أقدامك لأنك لا تعرف كيف يرتدى وبعد كل ذلك نجد من يلطم على حال التعليم كيف لا نلطم والقائمون عليه هم أمهات وآباء أولئك (المتسدحين)  في كل مكان الساهرين في أروقة المجمعات التجارية النائمين على مقاعد الفصول الدراسية !! أهو حال التعليم وحده حقاً أم حالنا نحن ؟ لنقف قليلاً ونتساءل ولتكن إجاباتنا صادقة فلعلنا بعد ذلك نفلح لعلنا نتنبه إلى أننا نتكلم عن مصيبة سفر الخادمة أكثر مما نتكلم عن المنهج الذي يدرس للأبناء ونتحدث عن هروب السائق أكثر مما نتحدث عن ضعف الإملاء المخزي عند طلاب الجامعات ونتحدث عن قرض بنكي من أجل السفر وتغيير الديكور أكثر من حديثنا عن التخصصات المناسبة لأبنائنا الذين سيلتحقون بالجامعة وهم لا يعرفون ماذا يريدون !!!