خلاصات خطيرة .. المشاعر الشعبية، المسلمة والعربية، إزاء الولايات المتحدة
السيدة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، معروفة جداً وماتزال ذكراها "طازجة" عند كثيرين! وضمن مهام وأنشطة متعددة تتولاها، هي الآن رئيس ما يعرف باسم "مشروع بيو لقياس المواقف العالمية"، غير الحكومي، الذي يتم تمويل أعماله من قبل متبرعين مستقلين. ولقد احتلت نتائج آخر مسح استطلاعي أجراه "المشروع" لآراء/مواقف عينة عشوائية واسعة "خمسة عشر ألف إنسان" عناوين أساسية على الصفحات الأولى في أمهات الصحف الأمريكية والأوروبية في مطلع شهر يونيو الجاري! هذا دون أن تحظى هذه النتائج الخطيرة -للأسف الشديد، ولأسباب متنوعة- بالاهتمام الجدير بها في صحف الوطن العربي!! وهنا بالذات يكمن السبب الأكبر لمقال اليوم، علاوة طبعاً على أهمية القائمين على إدارة الاستطلاع، ولمصداقيته النابعة من حيادية المصدر وعلمية المنهج. فكل هذه الاعتبارات توفر ضرورة عامة لعرض أبرز استخلاصات التقرير الخاص بنتائج ذلك المسح في ضوء استطلاع آراء الشعوب العربية والمسلمة بعد أن عرضنا "الأسبوع المنصرم" لأظهر الاستخلاصات المستقاة من استطلاع شعوب عدد من دول أوروبا! فما هي أبرز هذه الاستخلاصات؟ إذا كانت النتائج في نطاق استطلاع آراء ومواقف شعوب عدد من الدول الأوروبية قد عكست هبوطاً غير مسبوق في "النظرة الإيجابية" للولايات المتحدة سواء بعد الحرب على العراق "وبخاصة قبلها" مقرونة بموقف سلبي ساطع ضد شخص الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، فإنه - في الأوساط الشعبية في الأقطار العربية والمسلمة- يمكن الحديث عن أن "النظرة السلبية" كانت سيدة الموقف سواء ضد الولايات المتحدة كدولة، أو ضد رئيسها!!! وفي هذا النطاق، يجدر التنويه بما حدث في تركيا "الحليفة التاريخية للولايات المتحدة" حيث أجبر الرأي الشعبي حكومته على رفض استخدام الأراضي التركية منطلقاً للهجوم على العراق وذلك بقوة المشاعر المعادية لقوى التحالف الأمريكي-البريطاني ومخططاته. بل إن حركة بندول التبدل في الموقف السلبي تجاه الولايات المتحدة كانت أكثر حدة في الجمهورية الإندونيسية. فقد تبدلت المشاعر الإيجابية للأندونيسيين من نسبة بلغت %75 في العام 2000 إلى نسبة وصلت إلى %83 من "الناظرين سلباً" إليها في شهر مايو المنصرم!!! والانعطاف الكبير ذاته كان أيضاً مشهوداً في أوساط جماهير قطاع غزة والضفة والأردن. بل إن المشاعر المواقف الشعبية كانت قوية في عدد من البلدان العربية والأقطار المسلمة إلى درجة أنه في خمسة بلدان "اندونيسيا، الأردن المملكة المغربية، باكستان والسلطة الفلسطينية" جرى اختيار أسامه بن لادن واحداً من ثلاثة قادة سياسيين يثقون بهم أكثر من غيرهم على صعيد القيام "بفعل الشيء الصحيح في إدارة شؤون العالم"!!! وفي هذا النطاق، قال الدكتور "أندرو كوخت" مدير المشروع إنه قد فوجيء بالمقدار الذي "هبط إليه القاع" الذي كانت قد وصلت إليه الأمور في العالم المسلم، مضيفاً بقوله: "لم تتعمق مشاعر المعاداة لأمريكا فحسب، بل هي اتسعت أيضاً... حيث ترى "شعوب هذا الجزء من الكرة الأرضية" أمريكا كخطر حقيقي، وهم يعتقدون أننا سنقوم باحتلالهم"! كما أن المشاعر الشعبية في العالمين العربي والمسلم مضت إلى ما هو أبعد من ذلك. فمعارضة "الحرب على الإرهاب" انتفخت إلى ماهو أكثر من %70 في باكستان وتركيا بل وصلت إلى %97 في الأردن. وجميع الشعوب في هذه الدول وأيضاً في أوروبا "باستثناء شعوب إسرائيل ونيجيريا وطبعاً الولايات المتحدة" يرون في سياسة هذه الأخيرة سياسة انفرادية مع رفض قاطع "لمبدأ بوش" الداعي إلى مباشرة العمل العسكري الأمريكي الاستباقي. ومع ذلك، فإن الغالبية الساحقة من شعوب الدول المستطلعة آراؤهم عبروا عن "قبول واسع للمثل الأمريكية مثل الديمقراطية، ونموذج السوق الحرة، بل وحتى العولمة"، الأمر الذي دفع السيدة أولبرايت لتقول: "لقد وجدت في الدعم القوي للديمقراطية موضوعاً مثيراً جداً. ولقد أمضيت وقتاً طويلاً وأنا أقول إن الديمقراطية ليست قيمة غربية فحسب، وها هو المسح للآراء عالمياً يعزز ذلك"! هذا، رغم أن شعوباً في بلدان عربية ومسلمة كثيرة، يرون أن "طريقهم في الحياة باتت مهددة "من الغرب" وأنهم يريدون حماية من التأثير الأجنبي"! واللافت أن هذه المشاعر كانت أقوى ما تكون عليه في تركيا!!!. على صعيد محدد، جاءت نتائج المسح الاستطلاعي للآراء والمواقف في أوساط شعوب الدول العربية والمسلمة لتؤكد الغضب والمشاعر السلبية تجاه الولايات المتحدة "وطبعاً إسرائيل". وبالمقارنة مع ما كان عليه الحال في صيف 2002 فإن المشاعر السلبية في مايو الماضي ارتفعت من %11 إلى %36 في نيجيريا، ومن %59 إلى %71 في لبنان، ومن %69 إلى %81 في باكستان، ومن %55 إلى %83 في تركيا، ومن %36 إلى %83 في أندونيسيا، ومن %75 إلى %99 في الأردن، وارتفعت إلى %98 في الضفة والقطاع. وقد جرى تفسير النسبة العالية لموقف الشعب الأردني" على قاعدة قوة التأييد لقضية فلسطين ولأنه ينظر للولايات المتحدة باعتبارها "تساعد في إدامة وضع غير عادل على نحو كلي إزاء الفلسطينيين". كما أن المحللين يرون أن هذا الموقف السلبي من الولايات المتحدة/ والرئيس بوش يعود إلى حقيقة أن الأخير قد وضع بلدين مسلمين "من أصل ثلاثة" ضمن "محور الشر" الذي تحدث عنه عقب زلزال سبتمبر 2000!!! كما أن معظم شعوب هذه الدول تخشى -وفقاً لنسب عالية جداً كشف عنها المسح- على استقلال بلدانها وعلى مستقبل الدين الإسلامي فيها. بل إن شعبية بن لادن تفوقت في أوساط الشعوب المستطلعة على شعبية كوفي عنان كما أن طوفان هذه المشاعر السلبية في أوساط الجماهير العربية والمسلمة بلغ من القوة بحيث قطع بعدم إمكانية تعايش الفلسطينيين والإسرائيليين طالما أن إسرائيل بقيت قائمة. وفي حين كانت فيه هذه المشاعر أعلى ما تكون عليه في المملكة المغربية90 % فإنها بلغت في الأردن 85%، و80% في الضفة والقطاع، و72% في الكويت، و65% في لبنان، و58% في أندونيسيا و57% في باكستان، الأمر الذي جعل أولبرايت تقول ان "النتائج تفطر القلب، وخطرة جداً، وآمل أن تكون هذه المشاعر مؤقتة وأن تتغير مع مسيرة التسوية السياسية!! كما أن الشعور القوي بانحياز الولايات المتحدة بشكل غير عادل لإسرائيل على حساب الفلسطينيين" كان قوياً لدى المستطلعة آراؤهم. وفي هذا السياق، كانت النسبة الأعلى في الأردن إذ بلغت %99 في الوقت الذي جاءت فيه النسبة مفاجئة حيث بلغت 47% في إسرائيل ذاتها!!! وكي نختم بنتيجة مفرحة للولايات المتحدة ولغيرها يجدر تسجيل حقيقة بارزة للاستطلاع قوامها: أنه "رغم العداء لأمريكا فإن ثمة استعدادا واسعاً في العالم العربي والمسلم "فيما عدا أندونيسيا للحريات السياسية! ففي أوساط شعوب 8 من أصل 9 من بلدان هذا العالم فإن ما يزيد على 50% من الجماهير يؤمنون بأن الديمقراطية وفق الأسلوب العربي يمكن أن تعمل في بلدانهم. الشرق القطريه