حكاية البطالة .. وتفسير الماء بالماء !
إذا استعصى على أحد فهم المثل القائل «تمخض الجمل فولد فأرا» فقد وقعت على قياس نموذجي لشرح المثل، وذلك حين قرأت أخيرا نتائج مسح القوى العاملة 1434هـ/ 2013م- الدورة الأولى الذي أعدته مصلحة الإحصاءات العامة السعودية وفيه أن معدل البطالة للسعوديين تراجع الى 12 بالمائة مقارنة بمعدل 12.1 بالمائة في الدورة الماضية، أي 0.1 بالمائة رغم كل جهود توطين الوظائف والإلحاح على السعودة وإطلاق حزمة من البرامج المتنوعة وإعلانات الشركات للوظائف وملتقيات التوظيف في جميع مدن ومناطق المملكة. قصة البطالة مجتمعية لا تفسير لها غير أنها فلسفة والتفاف على الأزمة الحقيقية التي تسببت فيها الوزارة، ولم يستعجل أحد الحكم على الوزارة فهذا الحكم يأتي بعد حوالي ثلاث سنوات من البرامج والمشروعات التي تأكد فشلها وتراجعت بنسبة البطالة 0.1 بالمائة.لا اعتقد أن نسبة 0.1 بالمائة مهمة أو مثيرة للاهتمام في ظل هذا الكم الهائل من الفعاليات ومشروعات التوظيف والضغط باتجاه السعودة، لأننا في نفس الوقت لا نزال نستقبل مئات الآلاف سنويا من الوافدين لا يأتون للسياحة أو مجرد الزيارة وإنما للعمل، وإحصاءات وزارة العمل يمكن أن تكشف أن الرقم السنوي للاستقدام لا يقل عن المليون وافد في ظل هذه البرامج.وفي تقديري أن بيانات المصلحة الخاصة بالقوى العاملة السعودية محبطة، فمعدل البطالة بين السعوديين الذكور ارتفع من 6.1 بالمائة في الدورة الماضية إلى 6.3 بالمائة بما يعادل 265.4 ألف متعطل، بينما تراجع معدل البطالة بين الإناث من 35.7 بالمائة في الدورة الماضية إلى 34.8 بالمائة تعادل 363.6 ألف متعطل، ولذلك فإننا كحال من يتقدم خطوة ويتأخر خطوتين، فيما تلهبنا وزارة العمل بتصريحات متناقضة وغريبة حول واقع البطالة.وزير العمل السعودي المهندس عادل فقيه قال في تصريح لصحيفة الجزيرة إن البطالة في السعودية مؤقتة ويعود سببها الى ملايين العمالة الوافدة الرخيصة خاصة في المهن متدنية الاجر، وطالب معاليه بعدم الاستعجال في الحكم على وزارة العمل بأنها لم تخفض أعداد العاطلين عن العمل من الجنسين، مشيرا إلى أن البطالة قضية مجتمعية ولابد أن يشترك في حلها جميع الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص.بعد كل هذا الجهد فسّر معالي وزير العمل الماء بالماء، فهو أكد وجود ملايين من العمالة الرخيصة تمنحهم وزارته تأشيرات العمل سنويا ويتكدّس بهم سوق العمل حتى يفيضوا على الطرقات والشوارع يبحثون عن عمل، ثم إن قصة البطالة مجتمعية لا تفسير لها غير أنها فلسفة والتفاف على الأزمة الحقيقية التي تسببت فيها الوزارة، ولم يستعجل أحد الحكم على الوزارة فهذا الحكم يأتي بعد حوالي ثلاث سنوات من البرامج والمشروعات التي تأكد فشلها وتراجعت بنسبة البطالة 0.1 بالمائة.ومطالبة وزير العمل «الجميع» بحلها دلالة عجز وعدم اعتراف بنجاح خطط الوزارة وضغطها على القطاع الخاص، وعليه فإن الجميع ليس مطالبا بحل أزمة البطالة التي لم تعالجها الوزارة، وإنما بالمطالبة بتقييم تجربة الوزارة وتغيير مسارها الى بدائل علمية أفضل يكون للقطاع الخاص دور محوري في طرح رؤيته واستيعابها في الحل، فقرار مثل رسوم 2400 ريال لم يشارك فيه القطاع الخاص وكلفه خسائر كبيرة في وقت لا توفر فيه الوزارة سعوديين يناسبون الوظائف التي ينبغي إحلالهم فيها وبالتالي تضرر القطاع، وهنا وقع ضرر على مسارين، القطاع الخاص والاقتصاد الوطني، ولا يمكن بأي حال تصّور أن تكون السعودة إضرارا باقتصادنا الوطني إلا في حال سوء تخطيط وخطط وزارة العمل، وهذا حكمنا غير المستعجل.