وأخيراً كشف الغطاء
منذ أن بدأ بعض أبناء الوطن ترديد (فكوا العاني) أدرك من لا يرددونها أن أولئك ينقسمون إلى قسمين: قسم يتعاطف من الجانب الإنساني مع أهاليهم الذين كانوا هم أول من صدم بتوجهاتهم، فهم يشفقون على أمهاتهم وآبائهم وكل المقربين منهم. وقسم آخر يوافقهم على توجههم لأنه مصدق لادعاءاتهم التي روجوا لها بالرغبة بالإصلاح وإصلاح مرهون بالموافقة على كل أفكارهم المريضة التي تقضي على الحياة التي أرادها الله لخلقه بكل ما فيها من اختلافات هي جزء من طبيعة الحياة، لأن كل محاولاتهم التكفيرية والإجرامية هدفها أن يكون الجميع على مستوى واحد ومتشابه بل ومتطابق من الفكر والاهتمام والتعامل!!، وذاك أمر يتعارض تماماً مع ما يريده الله عز وجل للناس، وهو ما أخبرنا عنه في كتابه المنزل بأكثر من أسلوب. ذلك الذي يصفه بعضنا بالعاني هو من جانب آخر (مُعني) بضم العين، اي يتسبب بالعناء لكل من يمتد له سوء عمله، فكم من جريمة ارتكبها أو خطط لها، أو جرائم أزهقت الارواح، ويتمت الأبناء، وأربكت الأنظمة الداخلية والخارجية، وسلطت الأوباش على الناس في صميم حياتهم بكل ما فيها، يجعلون الدين حجتهم وهم في الحقيقة يسيئون له حين قلبوا معانيه السامية إلى ضدها، وجعلوا منه أداة يبررون بها سوء عملهم حين حصروه في آيات محدودة فقط ونظرة قاصرة جدا تقسم تعاليمه إلى نصفين: قسم يأخذون به، وآخر لا يقتربون منه ولا يعملون به ولا يحاولون فهمه، ولكن هذا ما لا يراه كل متحمس لهم لأنه يحصر نظرته له في الجانب الخاص به ولا ينظر في مدى أثر عمله السيئ على الناس والوطن، بل على ما هو أهم الدين والحياة. في برنامج الثامنة مع داود الشريان كشف الغطاء، ورغم أن تلك اللقاءات روعت الناس، إلا أنها تحمل جرعة الشفاء لكل من آمن بأولئك وتوهم حسن صنيعهم ولكل من تعاطف معهم وشجعهم.. لأن من يكفر الناس جميعاً ويجعلهم طواغيت وتصل به أفكاره الشاذة إلى حال من التخبط، فلا يرى في كل من حوله خيراً فهذا عين الضلال. ويظهر تخبطه أكثر في جوانب أخرى تنقض غزله في غيرها، فعلى سبيل المثال، حين أقر السناني بأن زوجته تستلم حقه في نصف راتبه، رغم أنه موقوف عن العمل منذ عشرين عاماً، وتستلم أيضاً معونة حكومية إضافية، فلماذا يقبل لهم المال من مصدر يرفض التعامل معه كما يرفضه في أصله، كما أن سلطته عليهم مستمرة حيث استطاع أن يجعل منعه لأبنائه عن التعليم مستمراً. وهذا لا يعني أن نستنكر حق زوجته وأبنائه في حياة كريمة لأنهم جزء من جريمته ضد نفسه وضد أسرته. ولا شك أن ذلك النموذج (السناني) هو نموذج مَرضي يبدو عليه الاضطراب النفسي بوضوح ولكن نماذج أخرى في السجون ليست كذلك، فاضطرابهم منحصر في استيعابهم للمفاهيم الدينية التي وضعت بفعل فاعل وسرت في عقولهم كما يسري السم في الجسد فتقبلوها، لأن العقول الفارغة مهيأة لاستقبال الأفكار المسمومة التي نالت من عقول كثيرين، ونالت من حياة الناس جميعاً واستقرارهم وأمنهم.إن نبذ أولئك في السجون لا يكفي وحده، بل علينا أن ننبذهم بما يحملونه من أفكار كادت تحرق الأخضر واليابس. وحلقات النصح والإرشاد التي عقدت لهم مسها الانتقاص منهم وممن يأخذ بما يقولون، كما أنه اسوأ استغلالا من بعضهم. كما أنها كانت خاصة بهم ولا يصل أثرها لمن هم في الخارج ممن يرون فيهم نماذج للبطولة، لذا كان من الضروري أن يرى ويسمع الجميع بعض تفاصيل ذلك الفكر الذي لم يعرفوا منه سوى ما يوهمهم بالحق فالتبس عليهم الأمر، رغم ما ألحقه من الضرر. نحتاج هذه المكاشفة ليحذر الجميع من كل أخطارهم التي انتشرت سمومها في أوردة حياتنا ووطننا.