خالد الشريدة

جودة المشاريع أولاً

هناك أفعال متوقعة نتحسب لها ونضع احتياطاتنا وإجراءاتنا الوقائية قبل وقت كاف، وأخرى طارئة ومفاجئة لا تسعفنا باتخاذ أي إجراءات مضادة وحمائية، مثل أن يصاب أحدنا بمرض بصورة مباغتة ويصبح طريح الفراش ويتوقف نشاطه وعمله لحين اكتمال الشفاء، لكن ما بالنا بأحداث متوقعة وتتكرر سنويا، ثم لا نحسن التعامل معها. فنحن نعلم بأن فصول السنة أربعة متعاقبة ومن بينها فصل الشتاء والأمطار تكثر، ولدينا جهات تقوم بمتابعة ورصد حركة الرياح والسحب، بل وتعطينا توقعات دقيقة لمعدل الأمطار في هذه المنطقة أو تلك بناء على قياسات علمية منهجية.هناك اجراءات يجب أن تتخذها الوزارة في متابعة هذه المشاريع، فتكرار المشكلة يعني ضعفا في الرقابة وقصورا واضحا في تنفيذها وعدم تقيدها بمعايير الجودة، وهذه في تصوري هي مشكلتنا الأساسية.رغم كل ذلك نغرق وتغرق مدننا في شبر ماء ونرى سيولا جارفة تجتاح مدنا وقرى، ولا تسلم الطرق في مدن رئيسة من طوفان مياه الأمطار نتيجة لسوء التصريف، ولن نتوقف عند توقعات الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة التي تصدر تقارير دورية عن حالة الطقس، وإنما نتوقف عند التهيئة النموذجية والهندسية للمصارف والمجاري التي تجعل المدن أشبه ببرك تطفو فيها السيارات وتتراكم فيها الأوساخ، وكلنا يعلم بأن وزارة الشؤون البلدية تقوم بطرح العديد من  المشروعات المتعددة لتصريف مياه الأمطار لمواكبة تطورات النمو العمراني وتهيئة الأحياء لجميع الظروف، لكن هناك مشكلة بين تخطيط الوزارة والنتيجة النهائية.الوزارة تخطط وتطرح المناقصات لمشروعات بلدية معلنة، ويبدأ التنفيذ الذي تتابعه الأمانات والبلديات، ولا نغفل مشروعات الطرق التي تنفذها وزارة النقل وهي تتكامل مع نظيرتها البلدية. غير أننا نحصل في الخاتمة على أعمال ومشروعات تسقط في الاختبار مع أول زخة مطر والدليل ما يحدث في الطرق والشوارع خلال الأسبوع الماضي، ونحن نشاهد مشاريعنا وهي تغرق في رشة مطر وهو دليل وناقوس خطر. فلو استمر هذا المطر أسبوعا آخر ما النتائج التي سوف تكون؟! ذلك يؤكد إن هناك خللا في تنفيذ هذه المشاريع. فنحن نرى في كثير من دول العالم -التي تتعرض لأمطار غزيرة- كيف تسيل مياه أمطارها بسلاسة في مجاريها، وكأنها تعزف أجمل سميفونيات إبداع الطبيعة فيستمتع الناس بالمطر دون مخاوف من سيول تجرفهم وتغرقهم.ينبغي على وزارة الشؤون البلدية والقروية أن تتشدد أكثر في تسلم المشروعات التي تتسلمها من شركات المقاولات. فمشكلتنا في الواقع ليست في التخطيط البلدي أو تخطيط الطرق وإنما في الجودة. فالدولة تنفق مبالغ طائلة من ميزانيتها السنوية على الطرق والصرف الصحي ومجاري السيول، لكن هناك اجراءات يجب أن تتخذها الوزارة في متابعة هذه المشاريع. فتكرار المشكلة يعني ضعفا في الرقابة وقصورا واضحا في تنفيذها وعدم تقيدها بمعايير الجودة، وهذه في تصوري هي مشكلتنا الأساسية.حتى لا نهدر جهدنا وأموالنا وأوقاتنا في التعامل السنوي مع الأمطار بصورة غير منطقية يجب محاسبة أي شركة تنفذ مشروعا لا يستجيب لتحديات النمو والتنفيذ العلمي للمشروعات. فمشروع الصرف الصحي في مدينة لندن مؤسس منذ 150 عاما، ولا يزال قويا ومتماسكا ومستجيبا لنمو المدينة واتساعها، حتى أن المهندس الذي صممه تم نصب تمثال له في المدينة تقديرا له. ونحن لن نصمم تماثيل، لكن نطالب بالدقة وإتقان تنفيذ المشروعات حتى نتوقف عن الشكوى السنوية من سوء التصريف وجرف السيارات والممتلكات والإضرار بها وربما يطال ذلك الأرواح، فقط لأن مهندسا أو شركة تتعامل بعدم جدّية وجودة في أعمالها.