جدة

صفية بن زقر: أكثر لوحاتي تحمل مواضيع من الحياة اليومية للسعوديين

تهدف الفنانة السعودية صفية بن زقر الى إحياء تراث الوطن عبر لوحاتها الخلابة...في السطور التالية نتعرف على مجموعتها ومتحفها الخاص الذي يعرض جوانب من الحياة والناس في المملكة.اذا لم نحفظ الماضي فإنه سيزول في الحال وسيذهب مع النسيان وكأنه لم يكن موجودا.. هكذا تقول الفنانة السعودية صفية بن زقر وهي جالسة وراء مكتبها الكبير في الاستوديو المفضل لديها في الطابق الثاني من المتحف.عندما تتحدث عن فنها يرتفع صوتها قليلا, بنبرات لا تخلو من الحماس لريشتها.وتتحدث عن الفن قائلة: الفن هو كل شيء جميل. انه مجموعة احاسيس نابعة من اعماق قلب الفنان. انه احتفال بالانسانية.. والألوان باختلافها تعكس طبيعة حياة الانسان.وتضيف: الاكثر اهمية ان الفن عطاء وتؤمن صفية الفنانة ان المسؤولية النبيلة التي تقع على عاتق كل فنان هي تخصيص جزء من أعماله للوطن.وقد حولت الفنانة صفية اكثر من 300 من لوحاتها نتاج رحلتها مع الفن الى المتحف الشهير الذي أهدته للوطن.ايضا فان الهدف الوحيد وراء هذا المشروع هو حفظ تراث المملكة المميز.وتعلق الفنانة صفية قائلة: لا اذكر متى بالضبط قررت بناء متحف لعرض جميع لوحاتي, ولكنني أذكر انني كنت قبل اكثر من عشرين سنة أميل للتراث وأبدي اهتماما به.وقد اكتشفت ان اكثر لوحاتي تحمل مواضيع مشتقة من الحياة اليومية للسعوديين من مختلف العقود.طقوس شعبيةوتضيف: اود ان ابحث في موضوع ما كطقوس الحناء للعروس او طقوس الحلاقة للعريس, ومن ثم اخرجه في لوحة معبرة. انا استمتع حقا بعمل هذه اللوحات, لانني خلال البحث والأداء اتعلم اكثر واكثر عن الحياة في السعودية.وتتابع: اقوم بالبحث في بعض العادات المدفونة مع مرور الوقت فقد ادركت ان هناك الكثير من عاداتنا التي لم توثق وتعرض, واحيانا اقوم بلقاء عدد من الناس ليفيدونني بتفاصيل طقوس احتفال او لعبة شعبية او اجازة وهذا يجعلني اشعر بانني يجب ان افعل اي شيء لحفظ هذه العادات حية.انه مهم جدا ان نحفظ تراثنا بمثل هذه الاعمال, حتى يتعرف الجيل القادم على طبيعة الحياة قديما في هذا الجزء من العالم.وتستطرد قائلة: جميل ان تتطور كل دولة وتصبح (مودرن), انه فقط علامة من علامات المدنية والعلم, ولكن ليست هناك دولة راقية بدون ماضيها.وكونها فنانة مبدعة فان افضل طريقة لحفظ التراث والعادات كانت من خلال فنها. تقول الفنانة صفية: بما ان كل لوحة من اعمالي تحكي موضوعا مختلفا من الماضي فقد قررت ان اجمعها كلها في مكان ما حيث يستطيع الناس رؤيتها واكتشاف جمال التقاليد القديمة.وقد تطلب الفنانة صفية بن زقر عشرين عاما تقريبا لفتح المتحف وتقول: بالرغم من تعلمي الفن في القاهرة في طفولتي الا انني لم استعجل في تنفيذ الفكرة, حيث لم اقم بأنشطة رسمية ولم يكن لدي خلفية كبيرة في عالم الفن.مجرد هوايةوتضيف: لقد كان الفن مجرد هواية بالنسبة لي لذا فقد قررت ان اخطو خطوات ابعد عبر تسجيلي في كلية (ST Martins) للفنون بلندن.وقد انتهت السنتان اللتان قضتهما الفنانة صفية بن زقر في لندن بدبلوم في الرسم والفن التصويري. ويضاف الى هذا العلم والشهادة القيمة تجاربها وخبرتها الغنية في مجال الفن. وقد كانت الخطوة الثانية هي ضم جميع لوحاتها معا.وتضيف الفنانة قائلة: عندما قررت بناء المتحف قررت ايضا التوقف عن بيع أي من لوحاتي لقد ندمت على عدم اتخاذ هذا القرار من قبل, لأنني بعت اكثر من 30 لوحة قيمة.وفي الواقع فقد حاولت الفنانة صفية بن زقر استرجاع لوحاتها التي باعتها عبر الاتصال بعدد من الاشخاص الذين ابتاعوا لوحاتها, وتقول حول ذلك: ظننت انني استطيع اقناعهم بان يعيدوا لي اللوحات مقابل اعادة اموالهم او التكرم بوضعها في المتحف.. ولكنني صدمت عندما اخبروني بان اللوحات لم تعد موجودة لديهم.وتضيف: اعتقد ان لوحاتي تلك في مكان خاطئ الآن, متلفة, او ضائعة.ويقع المبنى الحالي للمتحف في شارع ولي العهد بجدة, وقد وقف هناك لسبع سنوات قبل تاريخ افتتاحه في بداية هذه الالفية الجديدة. وتتحدث الفنانة صفية بن زقر عن كيفية بناء وتصميم المتحف الفريد قائلة: كان هناك الكثير من الامور الواجب اداؤها, وكنت اريد ان اقوم بكل شيء بنفسي. وفي المقابل لم اكن ابالي ان كان ذلك سيأخذ وقتا اطول.كنت مشغولة بالكثير من التفاصيل ابتداء بطريقة البناء وانتهاء بالالوان على الحائط, الاضاءة, وحتى التكييف.في الحقيقة فإن المتحف بجميع أركانه وتفاصيله هو نتاج خيالها وعملها الشخصي, وكذلك لمساتها الخاصة.لا تعد الفنانة صفية بن زقر فنانة عادية, انها رائدة من رواد الفن التشكيلي فهي من اوائل الفنانات السعوديات اللاتي تم عرض اعمالهن على المستوى العالمي.وتقول الفنانة: كثيرا ما يأتي البعض من الناس الي ليسألونني, هل انت سعودية فعلا انهم مذهولون بحقيقة ان تكون المرأة السعودية فنانة.وتضيف قائلة: اريد ان يدرك العالم ان هناك العديد من الفنانات السعوديات اللاتي يقدمن الفن بمقاييس عالمية.نحن لسنا اقل من الفنانين حول العالم الفنان يبقى فنانا رغم اختلاف الاعمار والانواع والالوان والاجناس, وهذا اعتقادي الحقيقي.وتتابع قائلة: من المثير للسخرية ان يعرف الناس في العالم الغربي القليل عن العرب هناك الكثير من سوء الفهم والادراك, ولكنني اعتقد انها مشكلتهم ليس الا!نحن نعرف الكثير عنهم, ولكنهم لا يعرفون عنا الا القليل؟ انا لا افهم لماذا يجب علينا ان نكون اقل لفتا للانتباه من غيرنا فقط لاننا نساء وعربيات؟!اهدت صفية بن زقر ثلاثين عاما من عمرها للفن وهي اليوم عضو في:ـ متحف الفنون النسائية بواشنطن.ـ اكاديمية الفنون الملكية بلندن.ـ الجمعية السعودية العربية للثقافة والفنون. وقد تلقت العديد من جوائز الفن ومن ضمنها دبلوم (Di Eccelenza) من (Grolla D ora) بايطاليا, بالاضافة الى العديد من جوائز التقدير المقدمة من مختلف المنظمات بالمملكة.ومن اعمالها الأخرى في مجال الفن, تشرف على مسابقات الفن السنوية للاطفال بالاضافة الى ذلك فانها تعمل يوميا في لوحاتها, وتقوم بتقديم الدروس في الفن, الى جانب الصالون الشهري الذي تفتحه لمحبي الفن والادب حيث تستضيف مختلف المتحدثين في كل مرة.ايضا فانها تمتلك مكتبة في الطابق الثاني من المتحف حيث تحتفظ بمجموعاتها الخاصة من الكتب التي تبلغ حوالي 2000 كتاب حول الفن والادب.وحول الصعوبات التي واجهتها خلال افتتاح متحفها تقول (بن زقر): لا أنظر الى الوراء أبدا. لقد نجحت في تحقيق حلمي وهذا هو المهم, النتيجة في النهاية هي الاكثر أهمية بالنسبة لي.لا يوجد طريق خال من الصعوبات ولكنني لن استطيع الحديث عن هذه الصعوبات لانني نسيتها كلها.. لقد حققت ما كنت اصبو اليه واي صعوبة واجهتها ليست جديرة بالذكر اليوم وتضيف قائلة: اثابر واواصل احاول واحاول حتى اتخلص من جميع الصعوبات وابعدها عن طريقي, وعندما اتخلص منها, انسى انها كانت موجودة.وتواصل قائلة بكل ما تعنيه الكلمة من قوة واصرار: عندما يكون لديك حلم ما يجب ألا تتوقف حتى يتحقق هذا الحلم.علامة معماريةأصبح المتحف المعروف بمتحف (بن زقر) علامة معمارية مميزة بخطوطه الفريدة وأبوابه الخشبية الضخمة وتلك الاعمدة الرخامية.ويوجد في المتحف العديد من الغرف التي تمثل كل واحدة منها جانبا من الثقافة السعودية. وتحمل الغرف اسماء مثل غرفة الزواج, غرفة الالعاب, غرفة ايام زمان, غرفة القنص وصيد الاسماك, غرفة الحياة اليومية, وغرفة الطراز المعماري التقليدي.وتحمل كل غرفة لوحات ذات مواضيع جميلة وخطوط انيقة. انها جميعا لوحات رائعة بالوانها واشكالها, تصور التقليد السعودي. وتعرض الغرفة الاكبر بالمتحف والمفضلة لدى الفنانة مجموعة من اللوحات بالألوان المائية التي تعبر عن مختلف العادات والازياء السعودية.وتبدو اللوحات حية بتلك الالوان المتنوعة والتفاصيل الدقيقة. وعلى احد الجدران يوجد عدد من الازياء التابعة لمجموعة الفنانة صفية بن زقر وتشرح الفنانة قائلة: اكثر هذه الازياء المعروفة متاع منقول وموروث البعض منها اشتريته من عائلات سعودية, والبعض الآخر حصلت عليه كاهداء. وتضيف قائلة: أقدر هذه المجموعة وسأحتفظ بها الى الابد لانني اشعر بأنها تتحدث كثيرا عن ثقافتنا, عن جمالنا, عن ذوقنا.وتختتم الفنانة صفية بن زقر حديثها قائلة: لقد بدأت الحفاظ على التراث السعودي, وأدعو بقية الفنانين السعوديين للسير في الطريق نفسه.ماضينا هو الأغنى ومن المؤلم ان نتركه يختفي هكذا.. انها خسارة فادحة لنا جميعا.
من اعمال صفية بن زقر
متحف ابن زقر