د. أمل الطعيمي

مشاعر

في محاولة لمعرفة آخر اهتمامات الناس قبل الموت، وما الذي يرغبون في فعله، نفذت إحدى الجهات المهتمة بهذا النوع من الاستطلاعات فكرة مميزة، لذلك فقد خصصت جداراً في مكان ما من عدة دول في أنحاء العالم، وكان المطلوب هو أن تكتب ماذا تريد أن تفعل قبل أن تموت؟ وقد امتلأت تلك الجداريات بالرغبات التي سطرها الناس بمختلف المستويات الزمنية والثقافية، والتي مكنت المهتمين بالأمر من دراسة الفروق التي كانت تشير إلى أن اهتمام الناس كان ينصب في مسار المشاعر الإنسانية، فذاك يريد أن يعتذر، وتلك تريد أن تشكر، وآخر يريد أن يبوح بمشاعره وغضبه لمن آذاه، ورابع يريد أن يعلن حبه لمن حوله وامتنانه على وجودهم في حياته. كثيرة هي المشاعر وغنية جداً، ولكن معظمها يبدو مختبئاً خلف القلوب والعقول، وبعضها يتوارى خلف موضع الصوت منا، فنمسك بأجمل ما يمكن أن نقوله خجلاً أو خوفاً أو عدم اعتياد على الاهتمام بمشاعرنا ومشاعر الآخرين من حولنا في البيت مع أسرنا، أو في العمل مع زملائنا أو الأصدقاء من أصحاب المكانة الخاصة لدينا. لماذا يظن الناس في مشاعرهم سوءا، فيخبئونها؟ ولماذا لا تكون المشاعر المعلنة وسيلة من وسائل تضميد الجراح بدلاً من إدمائها؟. يغفل الناس عن مشاعرهم ومشاعر الآخرين تجاههم، فيسيئون لها أو يتغافلون عنها حتى يقعوا في فخ الفقد اللافت للنظر أن التعبير عن المشاعر والبوح بها هي التي تفوقت على كل الأمور الأخرى التي قد يريد بعض الأشخاص الاهتمام بها وتحقيقها قبل موتهم، وبخاصة الأمور المادية، ولم يكن هذا الأمر يقتصر على دولة أو اثنتين، بل على كل الاستطلاعات في كل الدول المشاركة، فالمشاعر لا لغة لها ولا لون ولا جنسية، والقلوب تحتاج إلى من يواسيها في كل مكان، والابتسامات تنتظر من يفسح لها الطريق والتعاطف لا يلحق بنا العار، فلماذا يؤجل الناس كل ذلك رغم أنه الأهم بالنسبة لهم؟ لماذا يركزون على التفاصيل المزعجة الظاهرة، ويتغاضون عن التفاصيل الجميلة في داخلهم أو داخل من يتعاملون معهم؟. لماذا يظن الناس في مشاعرهم سوءا فيخبئونها، ولماذا لا تكون المشاعر المعلنة وسيلة من وسائل تضميد الجراح بدلاً من إدمائها؟. يغفل الناس عن مشاعرهم ومشاعر الآخرين تجاههم فيسيئون لها أو يتغافلون عنها، حتى يقعوا في فخ الفقد. فلا يبقى لهم سوى الشعور بالندم فلمَ يحدث كل ذلك؟!أهو سوء تقييم للعلاقات الإنسانية؟ أم بروز بعض العلاقات لأسباب معينة يغطي على ما سواه، وكأن الأول قيمة بحد ذاته والآخر يمثل حالة اعتيادية، وكأن هذا الاعتياد يفقد بعض العلاقات قيمتها، فتغيب المحاسبات والإزعاجات كل جميل ومميز فيها، بل وربما أنها تقدم لنا ما لا تقدمه العلاقات الأخرى حتى في محيط الأسرة الواحدة! وهناك علاقات يتعمد الناس أن يذيبوها بالصد عنها، فلربما كانت تسبب لهم بعض الألم وبعض الشعور بالتقصير، فيتمادون في التقصير وكأنه الحل الأمثل، وهو في حقيقته العكس تماماً، أو غير ذلك من أمور تجرح ذاكرتهم،  فتنز منها الدماء، ولهذا يتجاهلونها رغم حاجة الطرفين لها. كل العلاقات بلا استثناء يشوهها عدم الإفصاح، وكلها ينقصها شيئاً ما تصريح أو اعتذار أو شكر، وكل العلاقات تدمي هنا وتداوي هناك، فلماذا نغضب من هذا ولا نغضب من ذاك، ستكون الأسئلة كثيرة والإجابات أكثر، وكلها رهن المشاعر التي نبديها أو نخفيها.