د. أمل الطعيمي

الشوق للقرب والبعد

يقولون: مشغوف الفؤاد  مروع ومشغوفة  تدعو  به  فيجيبوما علموا  أنا  إلى  غير  ريبة بقاء  الليالي  نغتدي  ونؤوب عفافيَ  من  دون  التّقيّة  زاجروصونك من دون الرقيب رقيب  عشقت وما لي، يعلم الله، حاجةسوى نظري، والعاشقون ضروبلعل نعومة الموسيقى الداخلية لأبياته هي التي خففت من شدة التلظي التي تطوق المعانيالشريف الرضي من أكثر شعراء العصر العباسي رقة وعذوبة احساساً وشعراً في معظم الموضوعات التي طرقها، وبالأخص في الشعر الغزلي الذي أبدى فيه كثيراً من التعفف والبعد عن الإساءة بفاحش القول عن نفسه كعاشق، أو عن المرأة التي يتغزل بها. فجاء شعره ناعماً هادئ النبرات حتى وإن كان يعاني حرقة الوجد والأشواق، فنشعر ونحن نتصفح ديوانه أننا نستمع إلى صوت عاشق ذوبه عشقه، فلا يكاد يلتقط أنفاسه إلا بوهن يغلبه الإحساس بقلة الحيلة والضعف إلا من محاولة إيصال مشاعره لمن يحب.  وما لي يا لمياء بالشعر طائل سوى أن أشعاري عليك نسيب أحبك حباً لو جزيت ببعضهأطاعك  مني  قائد  وجنيب وفي القلب داء في يديك دواؤه  رب  داء لا يراه   طبيبوهو رغم ذلك الحب الذي يكنه في قلبه لها  لا يجد إليها سبيلاً، ولا يملك في نهاية قصيدته سوى أن يدعو لها -ولأرضها التي غادرتها، ولمشاعرها التي ربما جففها الغياب- بالسقيا والرقيق من النسائم؛ تلك السقيا التي قد تحيي الأرض والقلوب. سرى لك من أوطانه كل عارضتضاحك فيه البرق وهو قطوب ولا زال خفاق  النسيم مرقرقاً عليك. وأنواء  الغمام  تصوب ربما كانت الأهداف السياسية التي كان يتطلع الشاعر الى تحقيقها وانشغاله بها ذات أثر في شعره، فيأتي كما قلت سابقاً هادئ النبرات، إذ يحتل الشعر والمشاعر مرتبة متدنية في اهتماماته كما أشار بعض الباحثين، ولكن هذا لم يمنع أن نتلقى قصائده ونحن نستشعر حرارة مشاعره التي يعبر بها عن حبه وشوقه وانتظاره الذي يطول ويطول كلما باعد المكان والزمان بينه وبين محبوبته، ولعل نعومة الموسيقى الداخلية لأبياته هي التي خففت من شدة التلظي التي تطوق المعاني، وكأنه ينتقي لها بعناية مفردات ذات حروف هادئة الأصوات، ومن هنا ينسكب شعره في عقولنا برقة، وينساب نحو مشاعرنا بحنو بالغ.   فها هو في مقطوعة أخرى يتحرق شوقاً في القرب كما في البعد، ولكنه أيضاً يعبر عن ذلك بصوت هادئ هده الحزن فاثقل حرفه أقول وقد أرسلت أول نظرة ولم أر من أهوى قريباً إلى جنبيلئن كنت أخليت المكان الذي أرىفهيهات أن يخلو مكانك من قلبيوكنت أظن الشوق للبعد وحدهولم أدر أن الشوق للبعد والقرب خلا منك قلبي وامتلا منك خاطرىكأنك من عيني نقلت إلى قلبي