د. أمل الطعيمي

المواطن والوزارة

مجدداً لن أخفي فرحتي بالتفاتة المسؤولين إلى أهمية المؤتمرات الصحفية ومواجهة المواطن لتقديم المعلومة، وإثارة التساؤلات، والبحث عن إجابات لها، فهذه الالتفاتة بحد ذاتها مفيدة، هي نقطة انطلاق نحو الافضل في التواصل المباشر بين المواطن والمسؤول. وبغض النظر عن مدى رضا المواطن على تلك المؤتمرات أو ما يترتب عليها.لن يقبل المواطن أن يستمع إلى أرقام فقط؛ لأن السؤال الذي يطرحه دائماً هو: أين تذهب تلك الأرقاممؤخراً عقدت وزارة التربية والتعليم مؤتمرها الصحفي الأول بعد صدور ميزانية هذا العام ٣٥/ ١٤٣٦. وهو الأول بعد التغيير الوزاري فيها، وهي الوزارة التي يرتبط بها المواطن بشكل مباشر وبطرق مختلفة. في المؤتمر قدم وكيل الوزارة للشؤون المالية والإدارية معلومات رقمية هامة جداً عن المبالغ المخصصة للرواتب وللإدارات العمومية والصيانة والنظافة والمشاريع، ومما لا شك فيه أن تلك الأرقام تبشر بخير وفير وهذا أمر متفق عليه منا جميعاً؛ ولهذا لن يقبل المواطن أن يستمع إلى أرقام فقط؛ لأن السؤال الذي يطرحه دائماً هو: أين تذهب تلك الأرقام على أرض الواقع؟ إنه باختصار يريد أن يراها مترجمة الى أعمال يراها بعينه ويستفيد منها، سواء كان مديراً أو معلماً أو طالباً أو ولي أمر. فهؤلاء عندما يدخلون إلى المدارس ويرون سوء أحوالها، نتيجة لسوء الصيانة والنظافة سيغضبون ويتساءلون، ولن يثقوا بمؤتمر صحفي يقوم على الأرقام المصروفة، ولا يشرح كيف صرفت تلك المبالغ، لتصل النتيجة إلى ما وصلت إليه في الواقع الذي يراه أمامة، ويتعايش معه كل يوم بعيداً عن أعين المسؤولين.ولنأخذ على سبيل المثال تلك المبالغ التي تسمى (ميزانية التشغيل)، وهي مبالغ تصرف لكل مدرسة على حدة، وفقاً لعدد طلابها من أجل عدة أمور منها الصيانة والنظافة!!. هذه الميزانية وجهات صرفها من يراقبها؟ ومن يتابعها؟ ومن يعمل على كيفية تنفيذها؟ إحدى الإجابات هي: إن من يدير المدرسة هو من يتولى الصرف، وهو من يتولى مهمة البحث عن العمال (من الشارع)، ليقوموا بما يريد ويتساوى في ذلك الذكر والأنثى (المدير والمديرة)!!. وبغض النظر عن التناقض مع أسس (الخصوصية السعودية المزعومة) التي تجعلنا نتساءل: كيف يمكن لمديرة المدرسة أن تتفق مع العمال وتتابع عملهم وإنجازهم ومراجعتهم، وبأمر من إدارتها التي تمنعها في الوقت نفسه من استضافة مدير التربية والتعليم نفسه في المدرسة، والتحدث معه في شؤون العمل؛ لأنه لا يجب أن يختلط رجل بامرأة في المدارس؟! وبغض النظر عن امكانية وجود العمال في الشارع كما كان الحال سابقاً. هل ترى الوزارة أن التعامل مع الصيانة والنظافة بهذا الشكل هو الأمثل؟! هل العمال الذين يفسدون أكثر مما يصلحون يناسبون المحافظة على مباني المدارس، بما فيها من تفاصيل معمارية في المبنى والكهرباء والسباكة والتقنيات!!.ثم ما رأي الوزارة لو قيل لها: إن المبلغ المخصص لمدرسة ما على الورق يختلف عما يستلمه المكلف فعلاً! وماذا لو علمت الوزارة أن تلك المبالغ تصل متأخرة جداً، ويترك الأمر لمدى حرص من يدير المدرسة، فهل يصرف من جيبه مؤقتاً أو يمتنع - وهذا حقه - فتكون المدرسة في أسوأ أحوالها. هذه التفاصيل وغيرها هي ما يريد أن يستمع إليها المواطن في المؤتمرات الصحفية، ويجده متمثلاً في واقعه لأن الفرق الشاسع بين ما يسمعه وما يراه كبير جداً؛ ولهذا يعبر بما يريد أن يعبر منه كلمات معجونة بمعاني انعدام الثقة، ومعاني السلبية واليأس وتكرار كلمة (الفساد) عشرات المرات. ان ما يريده المواطن اليوم هو كثير جداً، ودقيق جداً في تفاصيلة التي تبحث عن الأفضل في المنهج والمبنى والمعلم والإدارة والأمانة التي تغلف ذلك كله. لا يكفيه أن يستمع إلى عبارة (التوسع في صلاحيات المدير) بل يريد قبل ذلك تمزيق كثير من التعاميم السابقة، التي بنيت على أفكار بالية لم تعد مناسبة للحال اليوم، ويريد تمزيق مخططات المباني القديمة، والتي مازالت تعتمد حتى اليوم رغم وضوح كثير من عيوبها. المواطن الذي يمثله المدير والمعلم والطالب وولي أمره يريد أن يعامل في تلك المؤتمرات الصحفية بذكاء، ويريد أن يرى الفرق واضحاً على أرض مدرسته بين مؤتمر وآخر.