نجيب الزامل

طارق والمقبرة

باجتماع الأهالي مع المجلس البلدي لحاضرة الدمام، قام شخصٌ فصيحٌ وتكلم بحرقةٍ عن حالة مقبرة الدمام، ووضّح أنها من أهم المرافق والأماكن بالمدينة، ولكن لحقها الضيمُ والإهمال. ولأحكي قصتي أولا..في حفل أقامه الأخ الحبيب هشام الزامل لصديق عمره بعد شفائه أخينا علي داود، توافد الكثيرون من محبي الاثنين، والأخ هشام يقدمهم لي واحدا بعد الآخر. ثم أحضر شخصا باشا جميل الإطلالة، وسألني إن كنت أعرفه، وترددت بالإجابة لأني أعرف تلك العينين العسليتين الغامقتين، وأذكر شيئا في الملامح يعيدني لذكريات دفنت في أرشيف الذاكرة البعيد. ثم قال لي: «هذا طارق الزايدي.. وعرفت صديقي وزميلي في ثانوية الدمام، وكان الاحتفاءُ عميقاً قوياً حاراً».ليس هذا الوجه الأهم في شخصية طارقفي ذلك الزمن، زمن الثانوية، كنا نذهب ونعود مشياً من المدرسة حيث إنه وأنا في حي العدامة القريب من المدرسة، والعدامة أحد أحياء الدمام الكبرى آنذاك. وكنا وقتها لا نلبس الثوب بل القمصان والبناطيل. وكان طارق يمشي بعيدا وحيدا عنا بقميصه وبنطاله الواسع، وهي موضة شاعت في ذلك الوقت، مع شعر ناعم طويل إلى حدود كتفه يجاري مشيته السريعة، ويهفّ معه بالهواء. هذه آخر صورة انطبعت بذهني عن ذلك الفتى العصري جدا بذاك الوقت.والآن هل هذا طارق؟ تغير تماما، وإن كانت الملامح المليحة تُنبي عن ذاك الوجه الفـَتِي، إلا أنها الآن أرحبُ وأكثر استبشاراً وحيويةً، وصار أكثر اختلاطاً بالمجتمع ومحباً ومحبوباً، حتى أنه كان نجما واضحا في حفل الأخ هشام المكتظ بالأصدقاء الذين تجمعوا، وبعضهم يرى الآخر ربما لأول مرة منذ المرحلة الابتدائية.  ولكن ليس هذا الوجه الأهم في شخصية طارق.طارق كان موظفا كبيرا في سابك بالجبيل، ثم أنه تقاعد مبكرا كما يروي لي الأخ هشام، وتفرغ ليصب كل خبرات عمره ومعظم وقته وجهده وماله في عمل في غاية الأهمية، فما هو يا ترى؟ أظنكم عرفتم. نعم، كرّس غايته وهدفه لتطوير مقبرة الدمام، مستخدما بإمكاناته المحدودة تطوير إدارة المقبرة، فهو يحدد إحداثيات لكل قبر، فمهما امتلأت المقبرة بالقبور إلا أنه من السهل الاستدلال على أي قبر، بل إن طارق يشرف ويقوم بنفسه أحياناً بحفر القبور، ومساعدة أهل الميت بدفن ميتهم. عمل طارق الزايدي جلب معه عاملين متطوعين آخرين، ثم كان المال مطلوبا، فإذا المتبرعون يتصلون به من كل مكان مما اضطره أن يجدولهم، فالأخ هشام مثلا سجّل للتبرّع منذ أسابيع ولم يحن دوره. مقبرة الدمام، وهي كما قال ذاك الرجل المحروق القلب على المقبرة، في اجتماع المجلس البلدي، ليس لها موظف واحد!  كل من يعمل هناك هم من المتطوعون، ما عدا حارس من الأمانة، طوي قيده ثم أعيد بالشفاعة لمدة عام فقط. إني أقترح على أخي وصديقي وزميلي، من نفخر به حقا، طارق الزايدي، أن يفتح قناة اتصالٍ وتنسيقٍ مع الأمانة، فقد وعد معالي الأمين الأخ والصديق فهد الجبير بأنه سيعمل على الاهتمام بها بطريقة خاصة ونوعية، وهنا ستكتمل الجهود.طارق.. تقبل فخري بك وحبي. فقد أهديتني أيضا موضوعاً لهذه المقالة!