صحيفة اليوم

محمد العلي

الحرية والعقل: هذان هما الركنان اللذان قام عليهما مذهب (الجذرية) كما اوضحت الحلقة السابقة, فهل يتوافر في ثقافتنا هذان الركنان؟ حتى تكون ثقافة عميقة, لا تقف عند ظاهر الأشياء؟اعتقد ان الاجابة سهلة: ذلك لأن الحرية في تاريخنا, كمفهوم, بقيت في سجن لغوي شاهق الاسوار, يحصرها في الحرية مقابل العبودية: فهناك في البشر حر وعبد. اما المعنى الذي تحمله كلمة الحرية الآن فلم يكن موجودا في تاريخنا كله, بدءا من الحجاج وليس انتهاء بصدام حسين.هناك حادثة تاريخية لا اذكرها بالتفصيل ولكن مضمونها يقول: ارسل الحجاج رسالة الى المهلب بن ابي صفرة يعنفه فيها على حرية الخوارج, فقال المهلب: (من الظلم ان يكون الرأي لمن يصدره, لا لمن يبصره) وبقي هذا حالنا في قمع الرأي الآخر حتى قال محمد الماغوط: (أنتم تملكون المشانق ونحن نملك الأعناق).ذلك هو حال الحرية في ثقافتنا, اما حال العقل فهي اشد سوءا وسوادا. فالتاريخ مكتظ بالحوادث التي طورد فيها العقل, وصفي اصحابه بالقتل والحرق, وليس اليوم افضل من الأمس, فاذا كان العقل في الماضي يستأصل فهو الان لا يسمح بولادته اصلا.هذا هو سبب الهزائم المتكررة والتخلف المزمن.. انه غياب الحرية والعقل, وكيف يتحرك مجتمع بدون قدمين, او يرفرف طائر بدون جناحين؟هناك ما يدفعني الى جعل هذا الموضوع يمتد الى صف طويل من الحلقات, لا حلقتين فقط, ولكني سأجعل على هذا الاندفاع لجاما في الوقت الحاضر.. لماذا؟ لأني لا أتقن فن الزراعة في الهواء الطلق, ولا الحرث على الماء, ولا صنع التماثيل من الأوهام. انني أتقن سؤالا واحدا هو:أين الجذور؟