د. أمل الطعيمي

التصنيف ومساوئه

ومازال الناس من الموحدين يمارسون التصنيف ضد بعضهم بصورة بشعة لها نتائجها السيئة التي اقل ما يقال عنها: إنها تضعف القوى الجماعية، وتبعثر الجهود، وتشتت الانتباه عن البناء. إذ يظل ذلك التناحر الخفي والمعلن بين أركان المجتمع قائماً، وتتأثر فيه القرارات والخطط التعاونية الأهلية والرسمية. ولا شك ان كل هذا يعيق الأعمال البناءة التي تخدم المجتمع وتأخذ بيده لشواطئ الأمان. ألا يكفينا ما تفرضه علينا المجاملات وأهواء النفوس في التدخل الأرعن لها  في كثير من الشؤون العامة والتي تسببت بدورها في وضع الناس في غير مواضعهم، فتأثرت بذلك الأعمال والنتائج، وتراكمت الأخطاء، وغُلبت الأقوال على الأفعال.ذلك الأمر يعكس سوء الفهم لما علمنا إياه الدين من أخلاقيات التي لو تمسكنا بها وطبقناها لأعفتنا من كثير من المتاعب الاجتماعيةومن هنا علينا أن نحذر هذه الأحكام العامة على الناس، والسعي إلى تخطئتهم من منطلق آراء شخصية. وقد تجاوز الأمر التصنيف الديني؛ أو بالأصح أشركوا معه التصنيف الفكري للناس فما تؤمن به أنت من أفكار ويتقاطع مع غيرك وأفكارهم يكون سبباً في اقحام أحكامهم الدينية عليك، ليأتي الحكم بما لا يناسبهم وهو أمر يلحق الضرر بالحاكم أكثر منه على المحكوم عليه. يقول تعالى (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم) وأكثر ما يثير الغرابة هو أن يلجأ الرجل العالم بالدين وآيات الذكر الحكيم إلى ذلك التصنيف، ويستغله للإساءة بالآخرين وتجييش الناس ضد من يخالفونه! وقد واتتهم الفرص أكثر وأكثر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي حظيت بكثير من محبي الشغب ومثيري الفتن، والذين يسعدهم الاحتفاء بكل ما يتعارض مع تلك الآية الكريمة، لأنهم في غفلة تامة عنها وعن معانيها القيمة في تهذيب النفوس، فيغلبون عليها ما تريده نفوسهم الأمارة بالسوء ضد الأحياء والأموات! ويغفلون عن عظم الأمر عند الله فما بين تلك الآية وبين حديث (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم) وحديث (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ماقدموا) أقول هذا وأنا أعلم وأقرأ لبعضهم ممن يتسلط على الأموات، كما يتسلط على الأحياء ببذاءة لفظية ليست من الخلق القويم في شيء فضلاً عن الدين! فيجتمع حولهم بعض من اعتادوا التصفيق للباطل بحماس غريب بدلاً من الذب عنهم، ولا أقول إلى درجة الدفاع الذي ينفي التهم، ولكن على الأقل إلى مستوى الترغيب بالصمت عما يجهلون من حقائق تخفى عليهم ولا تخفى على خالقهم. إن للصمت درجة عظيمة عند الله ورسوله بلغت أن يربط بالإيمان بالله (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) إن الصمت فضيلة إيمانية وتدل على قيمة الصمت عن كل ما من شأنه أن يسيء للآخرين، فما بالنا اليوم نتهافت على أن نظل نهرف بما لا نعرف ونستسلم لحمية الجاهلية الأولى!! إن ذلك الأمر يعكس سوء الفهم لما علمنا إياه الدين من أخلاقيات، التي لو تمسكنا بها وطبقناها لأعفتنا من كثير من المتاعب الاجتماعية التي تحظى اليوم بسلطة عجيبة تصول وتجول في العقول، فتبرز على الألسن بأقبح ما تلفظه وتؤثر على الأحكام والتعاملات العامة والخاصة. فمن يهذب السلوك الاجتماعي إذا غفل عنه أئمة المساجد ومعتلو المنابر؟.