حاوره

'القانون' يوقف عشوائية سوق التأمين

عندما سمعنا عن التأمين، لم نكن نعيره أي انتباه.. تعاملنا معه كخدمة مستوردة جديدة بطريقة عادية، وكانت فئات قليلة جداً من المجتمع هي التي تتعامل معه بطريقة جادة.. هذه الفئة ربما هم من الذين عايشوا حياة مجتمعات أخرى وأدركوا معناه وأهميته في هذه المجتمعات. وظللنا هكذا إلى أن جاء التأمين الإجباري، فأصبح تعاطينا معه كحالة إجبارية فقط، وظل وعينا دون المطلوب.ذهبنا لإحد الخبراء في مجال التأمين ونحن محملين بالعديد من الاسئلة التي تستهدف الفهم و الايضاح والمعرفة لهذا المجال من خلال تجربته الحية.وكان هذا الخبير هو عيد عبد الله الناصر رئيس منتدى التأمين بالشرقية ورئيس اللجنة الفنية للتأمين بالغرفة التجاريةالصناعية للمنطقة الشرقية , ودار معه الحوار التالي:معني التأمين@ هل التأمين مطلب حياتي؟ـ التأمين قد يختلف عن المجالات الاقتصادية الأخرى في عدة أوجه أولها أنه يمس كل شرائح المجتمع المتنوعة (الفقير والغني، الطالب والموظف، المرأة والرجل) فكل شخص لا بد وأن يحتاج لنوع من أنواع التأمين، فهناك التأمين الطبي أو تأمين السيارة أو التأمين الشامل... ولهذا تجد أن الكل لديه مشكلة مع التأمين، والسبب أن علاقاته متشابكة، ومتعددة الأوجه، فنلاحظ أن بعض القطاعات (البنوك ـ التجارة) علاقاتها تحمل بعدا واحدا وهي محدودة، فتاجر الجملة يتعامل مع التجار المستفيدين من الجملة، فلذلك فإشكالاته وسلبياته لها محدودية من جراء هذا التعامل، بعكس التأمين الذي يخدم ويقدم للجميع.وثانياً فالتأمين هو وعد مكتوب ولا يعرف المشتري صدقية هذا الوعد إلا عند الحاجة. وفي المقابل حين نشتري بضاعة مثل سيارة فإننا نستطيع التدقيق في كل شيء من اللون حتى محرك السيارة.أما بالنسبة للتأمين فإن الإشكالية تنبع من كون المستفيد من التأمين لا يعرف إن كانت هذه الوثيقة التي اشتراها تستحق التثبت منها أم لا إلا عند الحاجة (بعد الحادث مثلا في حالات التأمين من الحوادث).من هنا ربما تأتي الحاجة الماسة للتعامل مع التأمين كعلم وكوسيلة حضارية وكسلعة خدمية نحتاج إليها، فهي مطلب هام وضرورة حياتية ملحة.الجانب القانوني@ ولكن كيف يتعرف الإنسان العادي على التأمين من الناحية القانونية والرسمية؟ـ لقد تحدثنا كثيراً في ملتقياتنا وفي بعض الأحاديث التي تنشر في المجلات المتخصصة عن أهمية وجود قوانين تشريعية للتأمين، وذلك بوضع مواصفات وخصائص لكل شركة تبتغي الدخول في هذا المضمار وأن لا يكون الأمر عشوائياً كما هو الآن.ومن ملاحظاتنا بكل جلاء أنه ربما كانت هناك شركة واحدة تنطبق عليها الشروط القانونية . وقد سمعنا عن قرب صدور هذا القانون وربما يكون عن طريق صندوق النقد أو وزارة التجارة، وذلك سيختصر المسافة التي كان يمكن أن تطول كثيراً في ظل غياب القانون، وهذا يتيح لكل من هب ودب الدخول في هذا السوق، وهناك شركات وأشخاص استغلوا الوضع الحالي ولكنهم رحلوا لعدم وجود مؤهلات لديهم.التأمين الإجباري@ ولكن ما رأيك في التأمين الإجباري؟ـ التأمين الإجباري خطوة ممتازة ولكنها لا زالت في البداية وأعتقد أن القانون الذي صدر بهذا الخصوص حدد بثلاث سنوات لمراجعته ولدي شعور بأن هذا القانون سوف يعالج بعض الأمور التي هي بحاجة إلى معالجة وهذا أمر طبيعي في كل مناحي الحياة.الوعي التأميني@ بإعتبارك رجلا مهتما بالتأمين ولك خبرة في مجال التدريب للعمل في هذا المجال ماهو خلاصة تجربتك ؟ـ الوعي التأميني .. وضرورة أن يصل الناس لمستوى معرفة مالهم وما عليهم حين يتعاملون مع التأمين (وثيقة التأمين ـ الشركات ـ الأفراد...) كل ما يرتبط بالتأمين يجب أن يكون في متناول الجميع من ناحية المعلومات ومن ناحية التطبيق، حتى تكون لديهم المعرفة في كيفية التعامل معها.. وهذا يهدف لخدمة المجتمع بالدرجة الأولى.ومن خلال تجربتي اكتشفت الكثير من الأمور أستطيع تلخيصها في عدة نقاط:الأولى: اهتمام شركات التأمين بالتدريب لم يكن بالمستوى المطلوب، فهم يحرصون على إيجاد العمالة الرخيصة، وغير المدربة تدريباً مهنياً مؤهلاً للتعامل مع التأمين، ولعل أغلبهم تعاملوا مع هذه المهنة المظلومة باستسهال، لعدم وجود الوعي التأميني لدى المستهلك.الثانية: اكتشفنا ان وعي الناس بسيط لدرجة مخيفة. لقد تعود الناس على توصيل اللقمة للفم، ولذلك فليس ثمة استعداد أن تدفع مقابلا للتعليم. خاصة وأن التعليم لدينا مجاني، فلماذا يكلف نفسه مبالغ إضافية يعتقد أنه في غنى عنها تماماً. مع أن هناك قطاعا من الناس يصنفون على أنهم مستفيدون استفادة مباشرة من دراسة التأمين (الباحث عن عمل في شركات التأمين ـ مديرون وموظفون من ضمن مسئولياتهم التعامل مع التأمين ـ موظفو التأمين...) أغلب هؤلاء لا يملكون وعياً تأمينياً من أي نوع.الثالثة: الجهات المعنية (المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب) لم تقصر في تسهيل التدريب في مجال التدريب ونتمنى أن يكون هناك تفهما خاصا لهذا المجال، فهناك شروط غير منطقيةلاتتوافر إلا عندما يكون في سوق العمل منافسة شديدة في أي نشاط، أما في سوق التأمين فلا يوجد أي معهد أو مدرسة تختص بالتأمين، ولا حتى على مستوى الخليج باستثناء البحرين، فلماذا توضع مثل هذه الشروط إذا كانت ستحرم المجتمع من خدمة هو في أمس الحاجة إليها؟فعلى سبيل المثال يشترط ان يكون مقر مركز التدريب ذا مساحه كبيرة وبه خدمات متكاملة ومكان للصلاة وعدد معين من الموظفين الجامعيين وضمان بنكي يصل إلى 25000، أضف إلى ذلك الإيجار السنوي 40000 ريال.وهذه الشروط تثقل كاهل ميزانية من يقبل على هذا المشروع رغم انه مشروع يهدف إلى التوعية التأمينية وتوصيل مفاهيم التأمين للمجتمع، ومثل تلك الشروط تجعل من المستحيل مواصلة عمل مثل هذه المراكز. الرابعة: بعض الناس يعتبر التدريب بشكل عام كأحد المظاهر الاستهلاكية، فالمعنيين بالتدريب التأميني في الشركات يرغبون في التدريب خارج المملكة، متذرعين بأنهم يريدون التدريب وتغيير الجو، وهم بذلك يتخذون المفهوم الاستهلاكي الترفيهي، ويضعونه كنوع من الوجاهة، وإعطاء الأهمية الذاتية. تصور أن هناك بعض الكورسات تعطى لكون المدرب والحضور من المملكة بينما هو في اليونان أو تركيا أو مصر؟!!! @ ولكن أليس هناك إيجابيات؟من خلال تجربتي في مجال التدريب افرزت التجربة مجموعة من الإيجابيات، أهمها اكتشافي الشخصي بأن الشباب السعودي من أكفأ العينات التي درست في المركز، بعكس ما كان التصور عنه، فقد تدرب لدينا من جميع الجنسيات العربية والآسيوية، وتفوق السعودي بامتياز حيث لاحظت الجدية والتيقظ وحبه للمعرفة وتقديره ربما لظروف المنافسة مما جعله يتفوق على غيره.وقلة من الشركات استمرت في التعاون معنا سوى شركة وطنية واحدة وأغلب موظفيها والمتدربين لدينا من طرفهم سعوديون استطاعوا الاستفادة القصوى من مناهج التأمين.معوقات التدريب@ وما المعاناة التي اعترضت تجربتكم في مجال التدريب؟ـ لعل أهم المشاكل التي واجهتنا هي عدم وجود المراجع، ومن المؤسف أن لا يوجد أي مرجع داخل المملكة ولا في الدول العربية كلها. سوى قلة من الكتب في مصر وحتى الجامعات العربية تفتقد لهذا الأمر، قمت بعدة زيارات لدول عربية فاكتشفت من خلال هذه الزيارات أن جامعاتنا لا تدرس التأمين إلا من مدخل الاقتصاد في إحدى الجامعات المصرية وليس بشكل مستقل، ومما حصلت عليه بعض الملازم الخاصة ببعض الشركات في مصر والتي تستخدمها لتدريب موظفيها داخلياً فقط، وكذلك بعض الكتب المحدودة من كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة القاهرة.بينما في بريطانيا وعلى سبيل المثال يمكنك أن تجد وبسهولة مئات الكتب والمراجع في مكتبة واحدة، فضلاً عن الجامعات ومراكز البحث ومعاهد التأمين التي تنتشر بكثرة في بريطانيا وأمريكا. في حين لا يوجد لدينا أي معهد على امتداد الوطن العربي متخصص في التأمين سوى المعهد المصرفي في البحرين الذي تأسس عام 1986م، وقد بدأ أحد مدرسي هذا المعهد (حسين العجمي) قبل عدة سنوات بترجمة بعض مناهج التأمين في المعهد الملكي البريطاني للتأمين باللغة العربية وهو مجهود فردي يشكر عليه وقد ساهم في سد فراغ لا يستهان به ولكن هذا الجهد يجب أن يتحول إلى مجهود جماعي مؤسسي يسعى لتكريس هذا العلم وتطوره في الوطن العربي.منتدى التأمين@ كيف جاءت فكرة إنشاء منتدى للتأمين في المنطقة الشرقية؟ـ أنشأنا أول منتدى للتأمين في المنطقة الشرقية في عام 1999م، وكانت الحاجة ضرورية لهذا المنتدى، فقد جمع بين جوانبه أغلب مديري وموظفي شركات التأمين الكبرى العاملة في المنطقة.وفي البداية لم يكن أغلبهم يشعر بأهميته إلا أن الزمن واتضاح الرؤية جعلهم يلتفون حوله ويساندونه، مع عدم وجود الضوابط والقوانين كان بعض الأفراد يتمكنون من التحايل عبر تأمين سياراتهم مع أكثر من شركة في المناطق المختلفة بالمملكة، وبعدها يدبرون حادثاً ويستلمون من الثلاث شركات ولكن حيث يكون هناك نوع من التعاون بين شركات التأمين فإن مثل هذه الأمور يمكن التقليل منها. أعتقد أن أهم ما حققه منتدى التأمين هو خلق جو إيجابي بين المسئولين في شركات التأمين في المنطقة.الكل يتطلع بشوق وعلى عجل الى صدور القوانين الحكومية الخاصة بسوق التأمين ففي ظل وجود القوانين والأنظمة لن يستطيع أي شخص أن يمارس عملية احتيال، كما أنه لا يمكن لأية شركة أن تبتز المواطن، والمنافع ستكون متبادلة بين الجميع.خدمات المنتدى@ وما الخدمات التي قدمها المنتدى للناس؟ أم أنه للشركات فقط؟ ـ لعله حين أنشئ في البداية كان يهدف إلى جمع أصحاب المهنة من المديرين والموظفين والمهتمين، لكنه بعد ذلك استطاع الوصول لعموم الناس وما زال يواصل الطريق، وقد استطاع أن يحقق إنجازات جيدة في هذا المجال ومنها:1/ قام بتقديم دورة في التأمين مجاناً.2/ يعقد اجتماع شهري يناقش فيه مستجدات السوق المحلية والعالمية وفعاليات المنتدى.3/ ركزنا على الإنسان في الدرجة الأولى، والذي لا يقدر قيمة العلم والتدريب، وحاولنا التقدم خطوات في هذا المجال ولا زال المشوار مستمراً.
التدريب على التأمين بحاجة لدفعة قوية وفي الاطار عيد الناصر
حوادث السيارات وما يترتب عليها من اهم مجالات التامين