النتيجة النهائية ثقافة مجتمع
منذ فترة قصيرة وفي إحدى المناسبات ألقى الأمير سعود بن عبدالمحسن أمير منطقة حائل خطاباً يستحق أن يكون دليلا ومرشداً لتطوير العملية التعليمية برمتها، من يسمع الخطاب أو يقرؤه يتحسر على حال التعليم، ولكن في ذات الوقت يشعر بقدر من التفاؤل لأن هناك من يدرك صعوبة الحال، ويشخصه بعمق ويطرح بين السطور حلولا تستحق التأمل. الخطاب يشتمل على حكم ومعان تكتب بماء الذهب وتستحق العناية والتأمل. يقول الأمير: "التعليم في حياة الأمم هو رمانة الميزان.. فبه تتقدم متى ما أحسنت توظيفه في بناء مستقبلها، وبه تتأخر متى ما جعلته مجرد صفوف لمحو الأمية وتخريج أنصاف المتعلمين" والعبارة هنا لا تحتاج لتعليق وترد بقوة على من يراهن على غير التعليم كرمانة للميزان.يصارح الأمير نفسه ويصارحنا جميعاً بأن "حجم المدخلات في هذا القطاع مادياً ولوجستياً لا تتناسب أبداً مع حجم مخرجاته"؛ فالدولة تنفق كثيراً بينما المنتج النهائي لا يرقى لمستوى ما ينفق عليه وهذه القضية تحديداً هي الأخطر ليس في التعليم وحده، بل في قطاعات أخرى كثيرة ترصد فيها الميزانيات الضخمة التي تحسدنا عليها دول وشعوب، ولكن في النهاية نكتشف أن ما تحقق كان يمكن تحقيقه أو الوصول إليه بربع أو ثلث هذه الميزانيات، والمشكلة هنا من وجهة نظري المتواضعة هي مشكلة (شكليات) فنحن دائماً نركز على الشكليات ونهمل الجوهر والخلاصة والنتائج النهائية .. هي ثقافة مجتمع بأكمله. يواصل سمو الأمير سعود في خطابه التعبير عن همومه كمواطن كما أشار في خطابه، ويصدمنا بهذه الكلمات الرائعة المحزنة "تعليمنا لا يزال يرتهن للأداء التقليدي الذي حول مدار مدارسنا إلى قاعات يملأها السأم والملل والضجر، يجرجر أطفالنا أقدامهم إليها كل صباح بكل تثاقل منتظرين قرع جرس الانصراف على أحر من الجمر.. تماما كما يريد من يفر من معتقل"؛ بالفعل هو معتقل سمو الأمير ولنذهب بكاميراتنا إلى قاعات الدراسة في الجامعات - وليس المدارس - لنشاهد طلاباً وكأنهم تطبق عليهم الحدود!!.ويعبر سمو الأمير عن استيائه الشديد عندما يقرأ في مذكرات شيمون بيريز رئيس الكيان الأسرائيلي حينما يقول: "إن بلاده تستثمر في عقول أبنائها أكثر مما تستثمر دول الخليج مجتمعة في نفطها"!! وهنا يطرح سمو الأمير سؤالاً بقوة القنبلة الذرية يدعو للتطوير والتغيير "سنظل أسرى لوصاية بعضٍ وللخوف من التغيير؟ .. وإلى متى؟". ويتحسس سمو الأمير وجع أسلافنا في قبورهم وهم من سادوا يوماً ما العالم بأسره، فيقول ليشعرنا بدونيتنا "أسلافنا سيكونون أكثر سعادة بما ننجزه من أن نتغنى بأمجادهم". ويدخل الأمير بكلماته الصاروخية في الصميم عندما يتحدث عن تقويم النظام التعليمي "إن تقويم أي نظام تعليمي يفترض أن يعتمد على الأداء النوعي بالدرجة الأولى، غير أن أدبيات تقويم هذا النظام في بلادنا ظلت تعتمد على مؤشرات الأداء الكمي مثل تطور أعداد المدارس، وزيادة أعداد الطلاب، وارتفاع معدلات الانفاق". ويضرب بقوة "فالمناهج التعليمية وأساليب التدريس وأنظمة التقويم لا تزال ترواح مكانها وتعتمد على الحفظ والتلقين والاستذكار.. عوضاً عن التثقيف وتوسيع المدارك وتنمية ملكات التلاميذ وتطوير مهاراتهم في التفكير وفي الاستنتاج. كما أن الحجم الهائل من الحشو في المعلومات النظرية.. لا يزال يأكل معظم الحصص الزمنية للمنهج.. دون أن يتيح مجالا للتعبير عن الرأي، والتفكير الحر الذي يؤسس لبناء الشخصية المستقلة والواثقة". وبمعلومة عجيبة يضحكنا سمو الأمير على أنفسنا وهو ضحك كالبكاء "49% من المعلمين في مدارس التعليم العام - بالمملكة - قد حصلوا على تقدير ممتاز مقابل 5% من المعلمين في بلد كسنغافورة حصلوا على هذه النسبة، على الرغم من المعايير العالمية التي تعتمدها هذه الدول في التأهيل والتدريب والقياس". والله يا سمو الأمير ممكن نذهب لهم ونعلم هؤلاء الضعفاء المساكين كيف يحصلون على "الممتاز" وهم جالسون في بيوتهم!!ويطرح سمو الأمير طلبه السهل الممتنع "رفع وصاية الأقلية عن الأكثرية التي تعرف أن مستقبلها ومستقبل أجيالها مرهون بتطور هذا القطاع، وأن يكون هناك دور إيجابي للأكثرية الصامتة فالتعليم لم يعد مجرد كتاب ومعلم وسبورة، ولا يجوز أن يكون باباً من أبواب الضمان الاجتماعي لتوظيف الخريجين بصرف النظر عن جدارتهم، وإنما هو الذراع التي نناوش بها المستقبل".أخيراً حمَل سمو الأمير في خطابه جزءا كبيرا من المسؤولية على عاتق الهيئة الوطنية للاعتماد وضمان الجودة.. الله يستر سمو الأمير ولا تحتاج الهيئة إلى هيئة أخرى تعتمدها وتضمن جودتها.