دولة القلق!!
هي دولة تبسط ذراعيها على جزء واسع من العالم، لها نفوذ وحركة، انتشار وعمل، تأثير ومساهمة، سلطة على كل بيت وكل مكان للعمل!! دولة هلامية بلا حدود بلا جيش بلا اقتصاد بلا ساسة بلا كيان ظاهر!!يخيل لك أنك أمام دولة قائمة بذاتها لها كل هذه الهالة والحضور، أينما ذهبت وجدت لها صيتاً وخبرا، حيث يتحدث الناس حولها وعنها.إنه تصور تحليلي لظاهرة يعاني منها العالم على اختلاف تنوعه وتلونه، ورغم كل التقدم والرقي الحضاري والتكنولوجي والعملي، ظلت هذه المشكلة حاضرة، منتشرة، تتزايد حدة وعمقاً، تنزع من جسد الحياة وشاح الجمال وتسلب من أروحنا دفء السكون.هذه الحياة اللاهثة أو كما ينعتها البعض ويدلعها البعض الآخر «بعصر السرعة» تحتاج منا إلى وعي بكيفية التعامل مع واقعنا والتحولات التي تواجهنا.يظل البعد الروحي مهما جداً في مواجهة دولة القلق العظمى ذات النفوذ والهيلمان وهذا يجعلنا كمسلمين في واقع أفضل نوعاً ما فالإيمان العميق والالتزام الدقيق يورث الراحة والسكينة والتسليم بالقضاء والتوكل في العمل والتفاؤل بالمستقبل والأمان في النوائب والقناعة بأن كل ما أصاب المؤمن من سراء او ضراء هو خير له لو تفكر وتدبر.وعلى الجانب الآخر فالبعد النفسي في مسألة اجتياح واستعمار دولة القلق لحياتنا وتفاصيل معيشتنا مهم جداً، وهنا يظهر أهمية الحديث مع النفس عن أسباب القلق وغالباً سوف نجد أسبابا واقعية أو تحديات أفرزت القلق وربما نجد أن هناك مخاوف وهذا يجعلنا نسارع في علاج المشكلة ما استطعنا إلى ذلك، سواء بمفردنا أو بمساعدة من حولنا وذلك سوف يقلل من حدة القلق لأننا عالجنا المسبب له، ولذلك لا تعالج العرض وتترك المرض لأنه المصدر والأساس.تعمقنا في حديثنا من النفس ومصارحتنا هي بما توجس وما تحس وما تحُب وما لا تحُب أمر جميل وراق وله أثره على تحقيق السلام الداخلي المنشود. وهذا التواصل الايجابي مع أعماقنا مهم لأنه يعالج المشكلة ويقلل من الأثر.وهذا يجعلنا ندرك أهمية تعلم الكثير من الافكار حول اتخاذ القرارات وحل المشكلات وعدم اهمالها إلى أن تكبر أو تتعقد وحسم الكثير من القرارات المعلقة فالبعض يمكث سنوات وهو لم يحسم قرارات مصيرية في حياته وهذا التأجيل أو التسويف من أسباب التعثر الحياتي والقلق المزعج المصاحب لهذا الاحتقان.بعض أنواع القلق يذهب مع ممارسة الرياضة أو الترويح عن النفس او ممارسة هواية محببة أو النوم أو الحديث مع الشخصيات القريبة منا روحياً وعاطفياً وفكرياً فيكون التنفيس الايجابي عن هذه الطاقة السلبية التي لا يجب أن تظل محبوسة في الداخل.مهم أن نؤمن بأن الحياة ميدان واسع ومن الصعب أن نحقق فيها كل شيء وهذا يجعلنا نؤمن بقانون النسبية في الحياة وأن الكمال لله، وفي المقابل فهناك النجاح السريع وهناك النجاح بعد الفشل وهناك أيضا اشياء لابد من تقديم تنازلات عن رغبتنا في الظفر بها ونحن في غاية القناعة ودون أي أذى نفسي، فالبعض ينتقم من نفسه إذا خسر أو تعثر أو تأخر له أمر ولا يعلم أن الخير في ذلك ربما لو فكر وتدبر فلا تجلد ذاتك بل قدر جهدها وصوب أخطاءها وعاود المحاولة من جديد بروح متفائلة ومتفاعلة.جميل أن تكون طموحاً والأجمل أن يكون طموحك في أمر له قيمة سامية ورسالة خالدة وفائدة متعدية للمجتمع والناس، لكن لا تكن عبداً لطموحك فلا تعط نفسك قسطاً من الراحة ولا تحظ بأي قدر من الاسترخاء وتعيش حياة مقززة دوماً بين الضغوط والتجاذبات بحجة الطموح فتتحول إلى مكينة تعمل طوال اليوم وتنام في آخره فتخسر الكثير وإن ربحت القليل، فالنجاح توازن واعتدال فلا تخسر الحرب من أجل أن تربح معركة عابرة.ستكون أجمل عندما تجرب الخلوات والتأمل ففيها راحة وسكينة وستعيش أسعد حين تُصلي الوتر قبل أن تنام وتحافظ على وردك اليومي فهو حارسك الامين من الله عز في علاه.استمتع بالتغافل وعش حياة التسامح ولا تجعل الآخرين إما بطيشهم أو قلة خبرتهم أو سوء تصرفهم يحركوك ذات اليمين أو ذات الشمال فالقائد الذكي من يتحكم بمستقبلاته وانفعالاته ولا يضيع وقته في محاولة التحكم بمرسلات الناس وتصرفاتهم، فلن تغير العالم ولو أردت.ولا تنس الدعاء ففيه أنُس وراحة فأنت تتواصل مع مالك الملك فاطلب ما شئت ولا تبالِ.