صالح بن حنيتم

خروف دبي وورد الهيئة!

في عيد الأضحى العام الماضي طالعتنا الصحف بخبرين الأول: «توزيع هدايا قدمها احد فنادق دبي للسياح عبارة عن خروف» (دمية طبعا)، وكان لهذه الهدايا صدى رغم بساطتها لدرجة ان بعض الكتاب افردوا مقالات فيها من المديح والثناء، وكما تعودنا ان نسمع او نشاهد او نقرأ ان كل ما تعمله فنادق دبي جميل ومن باب الانصاف لديهم الكثير من الابداعات في فنون التشويق والتسويق.الخبر الثاني: «توزيع رجال الهيئة في إحدى المناطق في مملكتنا الحبيبة باقات الورود على المواطنين بمناسبة عيد الاضحى» اي في نفس التوقيت الذي تم فيه توزيع (الدمية/ الخروف) بدبي, ورغم جمال هذا الخبر الوردي وروعة فكرته, لم نجد نفس درجة التفاعل والمديح, إن كان هناك مديح اصلا! سؤال بسيط: لو افترضنا ان افراد الهيئة هم من قام بتوزيع الخروف وفندق دبي قام بتوزيع الورد؟ سنسمع من السخرية والاستهجان الكثير, مثلا «ناس تهدي ورد وناس توزع دمية على شكل خروف, اللهم لا شماتة» وربما نجد العنوان التالي (خروف الهيئة يأكل ورد دبي) او «خروف الهيئة وورد دبي» أو ما شابه!! بعد المفارقات حول التفاعل بين هذين الخبرين, تذكرت الحكمة القائلة (مزمار الحي ما يطرب) كما يعلم الجميع ان الحكم والامثال هي عبارة عن عصارة تجارب ناتجة عن مواقف واصبحت امثالا تقال عند كل حدث او موقف مشابه فتغني الحكمة عن كثير من الكلمات لبلاغتها, والحكم في هذا الجانب كثيرة ومثيرة وبعضها لا يليق ان يذكر حتى ولو استبقت المثل بـ (18+)!الاعتدال طيب في المديح والنقد, لا نريد ان نتغلب على الحطيئة في جلد ذواتنا والانتقاص من انجازاتنا, نعم للانتقاد البناء و(مرحبا الف) بانتقاد يسلط الضوء على مكامن الاخفاق مع ايضاح نقاط القوة, لان الفرق واضح بين النقد الناتج عن حرقة وغيرة على البلد ولم يكن نقدا من اجل التأجيج والتهريج. الناقد المخلص مثل الطبيب الجراح الماهر, عندما يدخل غرفة العمليات لن نجده حاملا بيد ورد وبالأخرى شوكلاتة, بل يحمل مشرطا حادا حتى يستأصل الاورام لكي يخلص الجسم منها فقلم الناقد الحاد هو نفس المشرط الطبي فبقلمه يسكب على الصفحات حرقته وألمه.من يتابع الصحافة والاعلام ونهجهما قبل وبعد الثورة التقنية يجد البون شاسعا! كان المديح والتطبيل يغلب على الجانب النقدي, وهناك صحفيون وكتاب واعلاميون عاشوا وتعايشوا مع تلك البيئة لان ما يهمهم هو الوصول لاهدافهم وغاياتهم حتى لو كانت اهداف (تسلل)!! بينما بعد الثورة التقنية وخاصة ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي بدت كفة الجانب النقدي ترجح ليس لان الثقافة في الشارع ارتقت, بل لان الثورة التقنية تفتقت وطاشت في سماء كل بيت بما فيهم صناع القرارات في الوزارات.الحمد لله, لقد شعرت بالسعادة في الاونة الاخيرة وأن هناك رقيا في انتقاء الرسائل عبر «واتس اب», على سبيل المثال ما شاهدناه من صور جميلة في موسم الحج لهذا العام, فهذا خبر تم تداوله لأحد رجال امننا في الحج وهو يحمل حاجا مقعدا على ظهره, وآخر شوهد وهو يقوم بتبريد الاجواء عن طريق رش الماء على الحجاج, وهناك من التقطته الكاميرا وهو يساعد حاجا معاقا وأخذ بيده حتى قبل الحجر.. وصور اجتماعية جميلة حول بر الوالدين, وصلة الارحام والعطف على العمالة الخ.. مثل هذه الرسائل تعكس الصورة الحقيقية عن بلدنا, مللنا من تداول الصور السلبية والمنتقاة بخبث وهناك من ساهم في انتشارها بغباء للاسف!!وحتى نساهم في رسم اللوحة الجميلة ونحن في بيوتنا في مكاتبنا في الشارع, فلنجعل تصرفاتنا ايجابية حتى تتكلم عنا ولا ننسى الاهتمام والتدقيق فيما نمرر من رسائل في «واتس اب» على ان يكون شعارنا, «إن كانت جميلة مررها وإن كانت قبيحة دمرها» عن طريق مسحها.