الجماعات المتطرفة تخسر أعمالها النفطية
أعلن الرئيس أوباما يوم 10 سبتمبر (أيلول) أن الولايات المتحدة ستشن حملة ضربات جوية ضد الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق. كانت الفكرة هي قصف هذه الجماعات لمحوهم من الوجود. ولكن ثبت أن ذلك صعب: فتلك الجماعات ليست مسلحة جيداً فقط، ولكنها أيضاً ممولة بصورة جيدة، حيث يعود الفضل في ذلك إلى آبار النفط ومصافي التكرير التي استولت عليها. ويقول مسؤولون أمريكيون وخبراء في شؤون الإرهاب: إن هذه المنظمة أصبحت تجمع في شهر يونيو (حزيران) حوالي 2 مليون دولار في اليوم من تكرير وتهريب النفط.وعلى الرغم من أن الضربات الجوية فشلت في وقف تقدم الجماعات المتطرفة في ميدان المعركة، إلا أنها نجحت في الإضرار في شبكتها النفطية وتقليل قُدراتها على إنتاج البنزين والديزل الضروريين لدباباتها وشاحناتها وتقليص مصدر حيوي من تمويلها. وقد جاء في تقرير نشرته وكالة الطاقة الدولية في باريس يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) أن المتطرفين يسيطرون الآن فقط على إنتاج 20 ألف برميل تقريباً من النفط في اليوم، في مقابل 70 ألف برميل في اليوم كانوا ينتجونها في شهر أغسطس (آب). وكان أغلب هذا الإنتاج في العراق. كانت الجماعات المتطرفة في أوائل شهر أغسطس الماضي تسيطر على سبعة حقول نفط ومصفاة لتكرير النفط في العراق وستة حقول نفطية في شمال سوريا. وكان باستطاعة المجموعة إنتاج نصف الطاقة الإنتاجية من المصادر التي سيطرت عليها، ولكن لم يكن لديها مشكلة في استغلال شبكة تهريب النفط الراسخة جيداً في المنطقة لبيع ما تستطيع ضخه من هذه الآبار. وفي هذا الصيف تدفق أغلب نفط الجماعات المتطرفة عبر وسطاء محليين وكان الثمن يُدفع بأكمله نقداً، الأمر الذي جعل من الصعب جداً متابعة التعاملات المالية وإغلاق مصادر التمويل بالطرق التقليدية التي اتبعت لتجميد أموال الإرهابيين في البنوك. وذكرت مصادر وكالة الطاقة الدولية ان الطلعات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة فوق سوريا وشمال العراق بدأت «تُحبط قدرات المتطرفين على تشغيل حقول النفط ومعامل تكريره» كان أغلب النفط المهرب من العراق قبل الضربات الجوية يحمل من حقل نفط عجيل القريب من تكريت ويحمل بعدها على صهاريج نفط ثم ينقل باتجاه كردستان. وتقدر وكالة الطاقة الدولية نقلاً عن مصادر صناعية عراقية أن الجماعات المتطرفة كانت تحمل 120 شاحنة بالنفط في اليوم لنقل حوالي 20 ألف برميل من عجيل. وتقول الوكالة إن الضربات الجوية، التي تضمنت قوافل لنقل النفط، قلصت ذلك العدد ليصل إلى 10 صهاريج و2,000 برميل في اليوم. كما عملت الضربات الجوية على مسح العشرات من معامل تكرير النفط « أباريق التسخين» المؤقتة والمقامة على عجل في سوريا، الأمر الذي يحرم الارهابيين من الوقود اللازم لماكينة الحرب التي يديرونها. ويظن ريتشارد مالينسون، المحلل في مؤسسة الاستشارات، إينيرجي أسبكتس، في لندن أن الجماعات الارهابية ربما بدأت تواجه عجزاً في هذا المجال. والأكثر من ذلك هو بدء تركيا والأكراد اتخاذ إجراءات ضد تهريبها النفط. ففي أواخر شهر سبتمبر احتجز الأكراد أربعة من صهاريج النفط. ومنذ استيلاء هذه المجموعة الإرهابية على مدينة الموصل في شهر يونيو (حزيران) الماضي انخفضت أسعار النفط بنسبة 20 في المائة، الأمر الذي قلل من جاذبية النفط المخفض الثمن. يقول ميخائيل نايتس، الخبير المختص بشؤون العراق في مؤسسة واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «تحتاج تلك الجماعات للمال لإدارة جزء مهم من الأراضي التي يسكنها عدة ملايين من الناس. وهؤلاء الناس بحاجة لخدمات أساسية، وسيواجه الجهاديون أوقاتاً صعبة في توفيرها دون عائدات النفط. وبسرعة كبيرة انتقلت من مجموعة إرهابية تعتبر الأغنى في التاريخ إلى الافقر في العالم.» كان الخبير نايتس دائماً الأكثر تشككاً من غيره من المحللين حول استدامة ماكينة المال التي تمتلكها المجموعة. وكان أغلب نفط الجماعات المتطرفة الذي خرج من العراق منهوباً من خزانات وأنابيب النفط. وهو يقول: «أعتقد أن النافذة التي كانوا يحصلون من خلالها على الدولارات في كل يوم كانت مفتوحة لفترة قصيرة جداً، وربما كانت لأسابيع قليلة فقط، وقد أغلقت هذه النافذة بسرعة فائقة حالما بدأ الأتراك والأكراد اتخاذ إجراءات ضد النفط الذي كانوا يهربونه. تلك الجماعات عالقة في حفنة من حقول النفط المدمرة، ولن تصبح أبداً قوة نفطية دون امتلاكهم أنابيب نفط.» النفط ضروري جداً لأغراض تمويل المجموعات الإرهابية والتي ما زالت عالقة بنفقات عالية ومستمرة. إذ عليها مثلاً صيانة معداتها ودفع رواتب لمقاتليها. يقول فيصل عيتاني، الزميل في مركز رفيق الحريري، أتلانتيك سنتر، لشؤون الشرق الأوسط: إن الجماعات المتطرفة تدفع لحوالي 25,000 مقاتل مبلغا يقارب 400 دولار في الشهر لكل مقاتل، وهو حوالي ثلاثة أضعاف ما يُدفع لكل مقاتل في المجموعات الثائرة المنافسة الأخرى. ويقول السيد عيتاني: لأن أغلب قدرات الجماعات المتطرفة في سوريا دمرت، ربما يسعى الجهاديون للاستيلاء على مصفاتين لتكرير النفط قريبتين من لبنان ما تزال تسيطر عليهما قوات موالية لنظام بشار الأسد. ولكن ربما يفتح ذلك جبهة حرب واسعة واحتمال الحد من قدرات الجماعات المتطرفة على تشديد هجومها على العراق.