الابتسامة لا تغادره
فوجئت في اليوم السابع من شهر شوال 1435هـ، بنعي الدكتور عبدالله بن علي آل شيخ مبارك، فكان مكمن استغرابي الظن بأني قرأت ذلك النعي، فتسلل الى نفسي الحزن على فقد هذا الانسان المربي الحبيب مديراً ومعلماً، فحل مكان الاستغراب الحزن والحسرة على فراق ذلك الانسان الحبيب على نفسي، الذي تشرفت بالعمل معه في مدرسة الدمام الأولى عام 1370هـ، وفي مدرسة القطيف عام 1372هـ، وفي كلتا المدرستين كان - يرحمه الله - مديراً ومعلماً، هذا الرجل الطيب الذي لا تغادره الابتسامة، حيث كان حلو الحديث خفيف الظل قوي الذاكرة، قضى جل سنوات عمره متعلماً ومعلماً وعالماً، يقدر طلابه بالمئات في كل أنحاء المملكة، يتفق عليه كل من جلس معه وتحدث إليه، وتلقى من كلماته العذبة ما يشفي الصدور ويهدئ النفوس ويعيد الثقة الى السامع والمخاطب، وكل من استمع لطرف من حديث الدكتور يود الا يتوقف سيل ذلك النهر الصافي من العلم الديني والثقافة العربية، كما عدم مفارقة ذلك النهر العذب من حسن الحديث وحسن المعاشرة.وكنت ممن حباهم الله بحسن صحبة الشيخ عبدالله، حيث ان مدير التعليم بالاحساء الشيخ عبدالعزيز التركي - يرحمه الله - بعد التعيين مدرساً مع بعض الزملاء خريجي الايتدائية عام 1369هـ، للعمل بمدرسة الدمام الاولى فأخذنا دورنا في مباشرة العمل وكنت اول الدفعة ثم تلاحق الزملاء، الأستاذ سعد ابراهيم، عبدالله الدرويش، وفوزان الحميد.. وكان للمدرسة وهي حديثة البناء لبوابتين إحداهما في الجهة الشرقية على الشارع الرئيسي – شارع الملك سعود – وبوابة في الجهة الجنوبية، وملحق بكل بوابة غرفة، فكانت الأولى أوجه من الأخرى لانها على الشارع الرئيسي واكثر سعة، فاتخذناها سكناً لنا، اما الثانية فهي عبارة عن مستودع وسكن للمراسل، وفي احدى الليالي كان المراسل يؤدي واجبه في تنظيف الفصول، وكان جهاز الراديو مفتوحاً، وكان وقت صلاة العشاء، فمر في الشارع عضوان من هيئة الأمر بالمعروف ومعهما شرطي، فأخذونا الى قسم الشرطة ومعنا الراديو باعتباره جسم الجريمة يحمله المراسل، ومن حسن حظنا ان الشرطة لا تبعد عن المدرسة إلا بعض خطوات، فلما أدخلونا قسم الشرطة انصرفوا عنا وبقينا في القسم في انتظار المدير الذي ذهب في مهمة، وكانت ليلة شديدة البرودة وليس في الشرطة سوى مدة مصنوعة من أعواد الأسل جلسنا عليها، وأخذنا نتمثل ونحكي الحكايات والنكت حتى نقضي تلك الليلة، وبعد طلوع الشمس حضر سعادة المدير (محمد باصفر) فلما رآنا ضحك وأخذنا الى مكتبه وأمر لنا بالشاي، وسأله أحدنا الى متى قال: نريد منكم تعهدا يكتبه مدير المدرسة بعدم العودة ويوقع عليه مدير المدرسة.. وقد أرسلت احد الأفراد ليبلغ مدير المدرسة (عبدالله المبارك) فلما بلغه الخبر ضحك كثيراً حتى وصل الى مركز الشرطة وهو يضحك، وقال للمدير اكتب انت الصيغة المطلوبة وأنا أوقع، فكان ما أراد وتحررنا من الأسر حتى اصابتنا عدوى الضحك، وكانت محطة لا تنسى.ان الدكتور عبدالله انسان رائع، حيث تميز بتلك الابتسامة التي لا تفارق محياه، فإذا مازحه صديقه أو احد معارفه يوماً أو شهرا أو عاما سيجد تلك الابتسامة في انتظاره لأنها تحية القدوم، رحم الله شيخنا الدكتور عبدالله بن علي المبارك رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، إنه سميع مجيب. * المدير العام لوكالة هجر للإعلام