ألا تثق بعدالة الله؟!
نقرأ عن التسامح، ونسمع النصائح التي تدعونا إليه ولكن هل التسامح بهذه السهولة التي نقرأ بها أو نقدم بها نصحنا للآخرين؟ بالتأكيد هو ليس كذلك. فالتسامح يتطلب شحذاً لقوة داخلية هائلة حتى تستطيع أن تبعد عن عقلك وقلبك ذاك الحقد المتراكم لسنوات طويلة أو قصيرة.يعتقد بعض الناس بأن التسامح يتطلب نسيان المواقف والكلمات والأعمال التي عانوا منها ونسيان طبيعتها وأسبابها ونتائجها، ولكن في الحقيقة ليس هذا هو المطلوب؛ فالذاكرة لا تستجيب قسراً لرغبتك في الحذف! ولكنك تستطيع أن تغير وتعدل في طبيعة تعاملها مع ما يتجدد فيها. فإذا انبعثت ذكرى مؤلمة فكل ما عليك هو ألا تستحضر ألم تلك اللحظة، ومساوئ من ارتكبها في حقك بل حاول أن تأخذ منها أجمل ما فيها من عبر، وأجمل ما ترتب عليها من دروس ايجابية. قد لا تنجح في المحاولة الأولى أو الثانية ولكن عليك أن تستمر وتتلمس الحكمة الإلهية فيما حدث لك وستعثر على كثير مما فاتك في لحظات سخطك. ستعثر على الإيجابيات التي خرجت بها حتى وإن لبست ثوباً لا يرضيك فلربما خسرت بعض الناس والأشياء التي ستكون حياتك بدونهم أفضل. وإذا لم تجد فيكفي أن تزرع في نفسك يقيناً تاماً بأنه خير لك من الله ولكنك تجهله وقد تعرفه ذات صفاء نفسي.لماذا تتكاثر الدعوات للتسامح وتتعاظم الصعوبات في نظر كثير ممن لا يطيقون الاستجابة لذلك ويقعون فريسة للرغبة المستمرة في الانتقام! وهي رغبة تطفو تارة، وتغوص في العمق تارة أخرى، وقد تظهر في لحظة غضب أو استحضار ذكرى فتكون النتائج سيئة في أغلب الأحوال.يقال بأن الرغبة في الانتقام وعدم القدرة على العفو والتسامح عمن أخطأ في حقنا أشبه بالسجن الذي نرفع نحن قضبانه من حولنا ونحمله معنا أينما كنا في كل لحظة نستحضر فيها سوء ما ارتكبه أحدهم في حقنا.إن الدعوة للعفو تكررت في القرآن الكريم - ٣٨ مرة- وبطرق عدة منها اثبات العفو كصفة لله عز وجل وعفوه عن عباده، ومن باب عفو الإنسان تجاه الآخر، وذكر العفو في معرض بيان ما يترتب على عفو المخلوق عن غيره قال تعالى ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) ٢٢ النورألا يكفي هذا الكرم الإلهي الذي يدعونا لتأمل جزيل الثواب الذي يكافئنا به الله عندما نسامح ونعفو؟! وليس هذا فحسب.. بل اسأل نفسك، ألا تثق بعدالة الله وهو الحكم العدل؟ لا تنتفض وتغضب من السؤال بل ابحث في خواطرك عن إجابة صادقة ؛ لأنك لو وثقت لانتصرت على غضبك وحقدك وعفوت. ألا تدرك أن الله جعل بعض سلوكنا وسيلة للتقرب إليه وما يترتب على ذلك القرب منا لله إلا ما هو أعظم وأجمل وهو قرب الله منا يقول عز وجل في الحديث القدسي (إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) أفلا نخجل بعد ذلك؟!! رغم كل هذا فهناك من يفاخر باستعار رغبته الانتقامية في جوفه فيقول: أنا أحقد من جمل!! أو يستمر بالتهديد والوعيد ويدعو بالويل والثبور على عدوه الذي استمر في تضخيمه داخل عقله وقلبه فتعاظم وكبر فصار ينافسه في جوفه ويضعف صوت الحلم في نفسه وصوت الدعوات الإلهية المتكررة للعفو والصفح. تأمل هذه المعاني (فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) ١٣ المائدةوأيضاً (وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل) ٨٥ الحجرأنت لا تصفح لأنك ستدخل الطمأنينة والرضا لنفسك بل لتصل لدرجة الإحسان التي سيحبك الله من أجلها ولتوقن بأن الله مجازيك من جنس عملك وأكثر خيراً في الدنيا وفي الآخرة. فإن صفحت تكون قد كسبت الخير من جانبين: تساميك بالتسامح وتقرب الله منك فهل ترد ذلك؟!!!اعتقد بأننا لو فكرنا بتلك المعاني العظيمة لندمنا على وقت طويل أضعناه في التباكي.رأيتها شابة في عقدها الثاني فقط ولكنها تشعل النار في عقلها وقلبها باستمرار وتتنقل بقضبان سجنها الروحي ولا تدري أنها تتآكل بفعل ذلك الحقد المستعر وإن كانت على حق فيما أغضبها ولكن آن لها أن تصفح لتعيش.