نجيب الزامل

هل جاء قرارُ هيئة عليا للشرقية متأخراً؟

هيئة عليا لتطوير المنطقة الشرقية، خبرٌ مفرح جدا.مفرح ليس لأني من سكان هذه المنطقة، بل لأن من مصلحة باقي مناطق المملكة وكل مواطن أن تُنمّى هذه المنطقة الهامة في كل العالم. هل أتينا متأخرين؟ لا، ليس لعملٍ جميلٍ وجيدٍ ونافعٍ أن يأتي إلا أن يكون دائماً في وقته.. لماذا؟ لأمرٍ بسيط جدا، ولكنه الأكثر واقعية، ان اللحظة الزمنية التي فاتت لن تعود، والفترة التي ستأتي لم تأتِ.. وبقيت اللحظة الحاضرة، هي كل ما نملك من خط الزمن، ومجرى الزمان.وبما أننا في اللحظة التي نملكها فلا بد من إدارتها جيدا، ولكي تدير أي مسألة إدارة جيدة يجب أن تعرف القوى المخبوءة في الموضوع المراد إدارته.في المنطقة الشرقية ظروفٌ موضوعية تجعلها الأكثر جاهزية للانطلاق نحو إنماء شامل، وليس محصورا. العقلياتٌ التي ستدير مشروع التطوير هذا لابد أن تؤمن أن تطوير المنطقة الشرقية ليس فعلا لازماً بل فعلاً متعدياً كما يقول النُحاة. هذه المنطقة حجر الدينمو الأول الذي سيحرك بقية الأحجار بتتابع وإيقاع.كثيرٌ من المشاريع التي عُملت بالمناطق الأخرى، وهذا جيد لدفع عملية التنمية، لو عملت بالشرقية أو بحجم ما يعمل في المناطق الأخرى لربما استفادت المناطق الأخرى أكثر مما تستفيد هي من مرافقها الحالية.العقلية الإدارية بالمنطقة تختلف عن العقليات وحتى النمط الإداري في بقية المناطق، ليس أبداً لأفضلية عقلية أو سلوكية بشرية، فهذا لا يجوز، ولكن لأن الظروف الموضوعية صنعت ذلك. وجود شركة بحجم أرامكو أدخل عاملاً مهما وعنصراً خفيا. أرامكو أدخلت من ستين عاماً ونيف نمطا إداريا هو"العقلية الإدارية التقنية" التي قُدمت في الولايات المتحدة أواسط العشرينيات ولم تنجح كثيرا. أحد الأمريكان الذي كان يؤمن بنظرية العقلية الإدارية التقنية طبقها في أرامكو نهاية الأربعينيات، وحصدت نجاحا منقطع النظير، حدث تغييرٌ أنثروبولوجيٌ كبيرٌ.. لكن لم يلفت الأنظار كثيرا.خذ مثلا أن ثقافة صارت طابعا لأرامكو نجحت في وقت يسير جدا في تمييع مشهدٍ توغّل في عروق الأرض، وهو أن من ينتمون للقبائل درجوا ألا يقوموا بعمل صناعي أو يدوي لأنه يجرح الأصلَ القبَلي، أمرٌ توارثته أجيالٌ من مئات السنين. في أرامكو سرعان ما يلاحظ المراقب التاريخي الأنثروبولوجي أنهم صاروا يقومون بالعمليات اليدوية والصناعية بدون أدنى شعورٍ بأن هذا يحط من قدرهم، والغريب حتى من هم خارج أرامكو من القبائل لم يعيبوا ذلك أو يقفوا دونه، بل صارت هناك هالة موقرة لموظف أرامكو في مجتمعه، وبينما كان الصانع لا يزوج من بنات القبيلة، صار فرد القبيلة تُطرى وظيفته في الشركة من ضمن مناقبه ومبررات قبول الأهل بتزويجه.ثم تتالت العقلية الإدارية التقنية في التوسع الذهني باحترام العمل والإنجار من خلال عاملين مهمين: الجدية والانضباط، ولحقتهما النتيجة الكبرى وهي غياب النفخة الوظيفية، واندمج الناس في مقامٍ عملي. التفت الملكُ عبدالله لهذ العنصر بالذات فاستعان بالعقلية الإدراية التقنية في بناء واحدة من أكبر أحلامه وهي جامعة الملك عبدالله، ثم توالت المهمات الكبرى، واختار شخصية مثل "عبد اللطيف العثمان" أحد كبار الأرامكويين ليقود أهم قطاع تنموي استثماري.من هنا "من العقلية الإدارية التقنية" أجزم بإذن الله، لو تم العناية بها، فإننا لن نذهل من وثق بنا، بل سنذهل أنفسنا.