أضأتَ.. وستبقى الإضاءة من بعدك
لا أتردد على إمارة المنطقة الشرقية كثيرا، إلا إن دُعيت. ونادرا ما يتم دعوتي لأمرٍ خاص، غير الدعوات العامة التي يتفضل عليَّ بها القائمون بالعلاقات العامة.وأكثر من رأيته والتقيت به هو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود. لذا، يمكنني الحديث عنه من واقع ما تم، وليس من صفات أخلعها عليه من عندي، ولا هو يحتاج ذلك.لفت نظري الأمير بقوة هو أنه يضع المثل للاقتداء. ودعوني -لو سمحتم لي- أشرح معنى مثل الاقتداء. مِمّا يُعرَف في نفسية العلوم الاجتماعية أن الناس يحبون أن يقتدوا بما يعمل به كبار المجتمع. وآخذ مسألة حفلات العرس مثلا واضحا. يحرص بعض الموسرين على إقامة حفلات عرس تبذل فيها الأموال (بل ترمى رميا) لإبهار المدعوين، واستعراض قدرتهم المالية في جلب أغلى المغنيين والفرق الموسيقية، وفي الديكورات الشاهقة الفخامة، والهدايا المختارة الأنيقة التي تقدم لعشرات المدعوين والمدعوات.. هذا غير اختيار أكثر القاعات شهرة وغلاء. وأنا لا أجادل في هذا، فهي أموالهم ولا أحكم عليهم في هذا. ولكن تبقى مسألة عواقب هذه المظاهر الباهرة، أن بقية من ناس لا يملكون تلك القدرات المالية يقومون بالمثل أو قريبا مما يفعلون، في هذه المسألة الاجتماعية النفسية: "هم ليسوا أحسن مني، ولا بنتهم أو ولدهم أفضل من بنتي وولدي" فيكلفون نفسهم رهَقا، والبعض قد تركبه الديون. ولكنها ظاهرة في كل زمان وفي كل مكان، فلا نلوم مجتمعاً بعينه. ونعود للأمير جلوي، وكتبت عن ذلك حين أقام حفل زواج في بيته، وظهر بسيطا بثوبه الأبيض، قلت وقتها إنه سيضع مثلا يُقتدى بأن الناس الآن يمكنهم أن يقيموا حفلات زواجهم ببيوتهم وببساطة غير مكلفة؛ لأنهم لا يرون حرَجا ولا إحراجا مادام أن أميرا فعل ذلك، وكان بإمكانه أن يقيم حفلا مهيبا لو أراد. إعجابي بهذه البساطة أن الأمير قدم مثلا عمليا، أفضل من صفوف من المواعظ النظرية في الاقتصاد بحفلات الزواج، وتنسحب صفة عامة في كل الحفلات.لفتني أيضا لطف الأمير جلوي، وسعة صدره، وحبه للناس. في مناسبة تطوعية، لم يترك جناحا إلا وزاره، وحرص أن يتكلم مع كل من في الأجنحة، وعندما حاول بعض من معه أن ينبه في الإسراع كان يطمئنهم بأنه سيكمل مع الجميع. وكان الأطفال الصغار يجرون ينادونه: "أمير.. أمير" ليصوروا بجانبه، ولم يرد طفلا واحدا.والأمير جلوي يختلط مع الناس عفويا، في عزاء خالتي فاطمة بنت صالح السحيمي، كان العزاء بسيطا مفتوحا، وهاتفني أخي أحمد العباسي عن رغبة الأمير بالمجيء للعزاء. وحضر وأطال الجلوس وتحدث معنا، وواسى الجميع، وهذا يفعله مع الكثير.سيغادرنا الأمير جلوي ليضيء في نجران.. وستبقى أثار ما أضاءه بالشرقية من بعده.