هل قولي صواب يحتمل الخطأ؟!
في لقاء وحوار مع أحد الأصدقاء القدماء في القطار القادم من الرياض والذي لم يسلم من وابل من الأسئلة التي تلمست منها محاولة التصنيف السريع للأفكار والتي تناولت الحوار حول قضايا الساحة الكبرى لاحظت بعدها أننا منضوون تحت لواء الشعار الأمريكي الذي دائما ما تعبـّر به فلسفة الإدارة الأمريكية ويتسم بشخصيتها البراجماتية بأن من «ليس معنا فهو ضدنا», هو قاعدة التفكير لدى الكثير وخاصة لمن لديهم توجهات حزبية وإقليمية، ولعل قوى الإرهاب والتطرف هم رواد في هذه الدائرة، وهو كذلك منسحب على بعض دوائر التفكير والمؤسسات العلمية ولم يسلم منه حتى المتعصبون في ساحات الرياضة والتشجيع والتي تأثرنا بشيء من غبارها خاصة عندما تكون متباعدة عن السماحة, وتكون في المقابل متآكلة الموضوعية, بل عجزنا عن رؤية الآخر هل هو معنا أم ضدنا؟!، ومقولة الشافعي: «قولي صواب يحتمل الخطأ ...» لم تعد هي قاعدة حوارنا وخاصة مع المخالف. وأنا أقول لماذا لا تكون القاعدة في حواراتنا وآرائنا من هذا الفكر المستنير؟!، ولو تواضعا أو أننا لن نبلغ درجة الشافعي ومن هو في علمه وفكره, حتى تكون أرضيتنا التي ننطلق منها بعيدة عن التصنيف أو التعنيف أو إطلاق العبارات التي تتسم بتجهيل الآخر أو تنقيصه، ولعل هذه مشكلة هذه الثقافة لدى الإنسان والتي ترجع إلى تكوينه ونشأته أو إلى التركيبة الاجتماعية أو المناخ الثقافي العام الذي يتسم بالفردية، أو التعصب، والهروب من الموضوعية، كما يتسم بغياب روح النقد البناء وعدم احترام فكر الآخر مما يجعل المنظور المباشر للإنسان يقول: هل هو معنا أم ضدنا؟ لقد ابتعد كثير من المثقفين أو المتعلمين أو أنصافهم عن روح العمل والفريق الواحد، فأصبحت هذه المعاني ترمى رميا، ويضرب بها عرض الحائط، فاللغة الفردية الحاملة معها نزعة (الأنا والشخصانية) والنظر دائما إلى الذات بمنظار الإعجاب هو الذي ولّد عند الكثير مثل هذه النزعات القائمة على أساس إذا لم تكن معي في ما أحمل من رأي وما أبدي من فكر فأنت ضدي.ولعل الملاحظ أن المجتمعات الغربية دائما ما تنتمي إلى العمل الجماعي أو الفريق الواحد البعيد عن التشققات الحزبية، وهذا طبيعي في مجتمع ثقافته تلغي أسباب الفرقة وتعمل لتنمية أسباب الوحدة. فكم من الأعمال التي أجهضت بسبب الفرقة أو الغلو، أو التعصب أو مصيبة الطائفية، وانتفاخ روح الأنا والإعجاب بالذات والمرض بداء العظمة، وكم من القيم تلاشت بسبب تطاير أسهم الوحدة والمحبة، وأصبح من المحال العمل كفريق واحد متجانس متوائم يفكر في المصالح العامة وتتناسى صغائر وفرعيات الأمور، فهل نحن من الذين يضعون آراءهم على مائدة الحوار لتكون كمثلها من الآراء التي تتغربل وتتفاعل مع الآراء الأخرى بمعزل عن كينونة أصحابها حتى نصل إلى إيجاد استقلالية تامة للإنسان؟. هذا فيما عدا الثوابت أو المسلمات، وعند تفاعل الحوار والآراء فإن كل فرد يستطيع حينها أن يأخذ من فوق المائدة منتجا أو فكرا جديدا غير الذي وضعه فتتلاقح الأفكار بشكل حر بعيد عن العصبية والانفعال يثمر الرأي السديد، أم نحن من الذين يضعون آراءهم موقعة بأسمائهم اللامعة التي يشم منها رائحة الاعتزاز، والتي تقرأ في ثناياها البعد عن الأطر الموضوعية، والتي تغلفها الفردية المتعالية، ونخشى أن يبقى الأمر على ما هو عليه فالمناخ الفكري الحر والمستقل أصبحنا نتلمسه ونبحث عنه، ذلك المناخ البعيد أن يكون الإنسان هو وآراؤه شيئا واحدا. وكم ننتظر اليوم من وزرائنا الجدد- سددهم الله- أن يرسموا لنا معالم خططهم ورؤيتهم، وأن تحارب وزاراتهم كل اعتداد بالنفس و«أن من ليس معي فهو ضدي» وأن يسمعوا للنقد فمن أجل الوطن لنرفع شعار «قولي صواب يحتمل الخطأ».