خالد الشريدة

حادثة العوامية وتهديد الأمن الوطني

التطرف آفة تعمل على تآكل كثير من القيم الدينية والاجتماعية والوطنية؛ لتنتج في النهاية بديلا إرهابيا يسيطر على الذات الفردية، ولذلك تصبح خيارات المتطرفين ضيقة وهم يتعاملون مع الحياة بكل ما فيها من نظام وتنظيم، ما يجعلهم دائما يتصرفون من منطلقات عنق الزجاجة التي دخلوها بكامل اختيارهم ووعيهم، وليس بالضرورة أن تكون فكرة التغرير رئيسية في تضليل المتطرفين؛ لأن ذلك في الغالب يحدث لراشدين يفترض أنهم يمتلكون الوعي بما يختارونه وينتمون إليه من أفكار تجعلهم نشازا ودمويين تحت أي غطاء ديني أو مذهبي.ما حدث ويحدث في العوامية قائم على تطرف كامن لدى بعض الفئات التي تتعامل مع السلطة بتحد لا يتفق مع مقتضيات المنطق الوطني والديني والاجتماعي، فمؤخرا تم قتل أربعة إرهابيين في مواجهة مع رجال الأمن، خلال مداهمة أوكارهم في بلدة العوامية التابعة لمحافظة القطيف، وحين ننظر في قضية الأوكار نتيقن معنى النشاز والتطرف؛ لأنهم لو كانوا على حال سوية لاستقاموا مع المجتمع وأمن الوطن والمجتمع مما يفعلون.في الواقع المسألة المتطرفة والإرهابية نتاج طبيعي لتنشئة خاطئة، كتلك التي نشأ عليها أفراد تنظيمات القاعدة أو "داعش" أو غيرهم، ويضاف إليهم أولئك الذين تنتجهم الأحقاد المذهبية، فهناك خلل مؤكد في نبتتهم العقلية والنفسية، يبدأ ذلك من القريبين منهم مثل الأقارب أو الرفاق، وقد يمرون على مسجد أو حوزة ويشحنهم متطرف نشط بأفكار تتنافى مع معطيات الأمن والسلام الاجتماعي والوطني التي يحث عليها الدين.الحالة الإرهابية في العوامية لا تبدو خاملة؛ لأن هناك الكثير من الأوكار التي تستضيف متطرفين مهيئين لمزيد من الأعمال العدائية ضد الوطن، وهنا لا بد أن نتدبر في الفكرة الوطنية التي لدى هؤلاء؛ لأنها ينبغي أن تكون خطا أحمر، تجاوزه يعني انتهاك الوطن وتضييع الوطنية التي لا تجتمع مع أي مهددات لأمن وسلامة الوطن، ولو كانت هناك تنشئة وطنية قوية وراسخة في عقول هؤلاء؛ لفكروا جيدا قبل الخروج على الوطن بمثل هذه الوحشية الإرهابية.دائما ما يجد أولئك المستعصمون بجوف الأوكار والمخابئ من يتعاطف معهم ويغطي سوءاتهم، وحينها تصعب الحلول والمعالجات الفكرية والأمنية على السواء، وبالتالي فإنهم يتخففون من الضغط الأخلاقي والقيمي؛ لأن وجود أحد بجانبهم يشعرهم بأنهم على حق، ما يمنحهم طاقة دافعة واستمرارية في شرورهم وانتهاكهم للأمن الوطني وتهديده بمثل هذه السلوكيات المنحرفة.كل موجود في وكر أو مخبأ يجد بالضرورة دعما متعاطفا من هنا أو هناك يبقيه على قيد الحياة، ومؤمنا بما يفعل من أخطاء، ولذلك فإن العملية تمتد الى الداخل الاجتماعي للبحث في صيغ الدعم والتعاطف الذي يجده المختبؤون، سواء كان ذلك من القريبين منهم أو حتى ممن يؤيدهم عن طريق الانترنت أوغيره، فهم بصورة أو أخرى شركاء في الفكر المتطرف وجزء من المشكلة وليس الحل، والتعاطف مؤشر لتطرف كامن وخامل يجعلنا ندور في حلقة مفرغة من الحسم والبحث عن استقرار أمني سواء في العوامية أو غيرها، ولذلك مطلوب من المجتمع المحلي أن يدعم جهود الدولة في تحقيق الاستقرار، وأرى أيضا أن الحل يبدأ من تضافر الجميع البيت والمدرسة والاعلام ورجال الدين، الجميع يجب أن يقوم بدوره على أكمل وجه. مع الأسف بعض أولياء الأمور يناقشون قضايا حساسة أمام اطفال صغار لا علاقة لهم بهذه الامور، وأيضا غياب دور المدرسة، وهنا أتساءل، كم محاضرة قامت بها وزارة التربية والعليم لمكافحة الأرهاب؟ وهل هناك برنامج من الوزارة لمعالجة هذه الافكار المنحرفة؟ وأيضا الإعلام لم أقرأ يوماً إعلاناً في أي صحيفة يحذر المجتمع من ظواهر الأرهاب، وما هو دور الأسرة في معالجة السلوك النفسي لهؤلاء الأبناء؟ وأيضا لم أشاهد إعلاناً في شارع يحذر الشباب من الأفكار المنحرفة! يجب أن يكون طرح هذه القضايا بشكل أكبر في وسائل الإعلام حتى تظهر بشاعة مرتكبيها أمام المجتمع وخصوصا الصغار. بعض رجال الدين ممن لهم جماهيرية بين الشباب لم أشعر بحرصهم على الشباب كحرصهم على الظهور في برامج التلفزيون، هناك تقصير واضح من الجميع ومن يستغل هذا القصور هم الجماعات المتطرفة. يجب علينا مساعدة الأجهزة الأمنية في التعامل مع هذه الحالات؛ لأن تحدي السلطة لا بد وأن يكون مكلفا ويدفع ثمنه كل متطرف مارس عملا إجراميا ضد الدولة، ومحاولة التغطية على ذلك لها من الخطورة ما يعادل الفعل الإرهابي نفسه، ولذلك لتكن المعالجة بأقصر الطرق من خلال التعاون الصادق؛ لأن ذلك سيتم، وإن كان بطريق طويل يأخذ في مساره كل متعاطف وداعم في الخفاء.