الحوافز المالية لا تغني شيئا
وَمَا شكَرْتُ لأنّ المَالَ فَرّحَني سِيّانِ عِنْديَ إكْثَارٌ وَإقْلالُ لَكِنْ رَأيْتُ قَبيحاً أنْ يُجَادَ لَنَا وَأنّنَا بِقَضَاءِ الحَقّ بُخّالُ(المتنبي)الحوافز غير المالية هي أنواع المكافآت التي هي ليست جزءا من أجر الموظف. إنها عادة لا تكلف المنظمة شيئا إلا القليل، ومع ذلك فإن لها وزنا كبيرا. وتكون الحوافز من هذا النوع فعالة بشكل خاص بالنسبة للموظفين الذين يشعرون بالارتياح تجاه رواتبهم أو الذين بقوا في مواقعهم لفترة طويلة. ويرتكز هذا المبدأ على فرضية نظرية، هي أن الموظفين ليسوا فقط كائنات اقتصادية. إنهم يبحثون عن المعنى في العمل الذي يقومون به، والإبداع فيه مع تحقيق التوازن في ذلك مع حياتهم الخاصة.في استطلاع للعام 2009 أجرته شركة ماكينزي الاستشارية، تم تصنيف الحوافز غير المالية على أنها أكثر قوة من الحوافز المالية. وقد كانت أهم ثلاثة حوافز مالية هي (1) المكافآت النقدية المبنية على الأداء، و(2) الزيادة في الأجر الأساسي، و(3) الأسهم أو الأوراق المالية. وبالنسبة لأهم ثلاثة حوافز غير مالية فهي (1) الثناء والشكر من المدير المباشر، و(2) الاهتمام من القادة، و(3) إتاحة الفرص لقيادة مشاريع أو فرق عمل. وقد كان الحافز الأكثر شعبية على الإطلاق هو الثناء من الرئيس المباشر. وكان الثاني الاهتمام من القادة. وكان الثالث الأسهم أو خيارات الأوراق المالية. ومن اللافت للنظر أن الحوافز غير المالية كانت أكثر شعبية من الحوافز المالية على الإطلاق.ووفقا لاستطلاع أحدث أجرته شركة ميرسر الاستشارية في العام 2011، فقد أجمع الموظفون في الأرجنتين والبرازيل وكندا والمكسيك والولايات المتحدة، على أن العامل الفريد والأهم للتحفيز في العمل هو «أن يعامل الموظف باحترام». فالاعتراف والثناء يُعطي الموظفين رسالة بأن المنظمة تحترمهم وتقدر مساهمتهم. ومن المدهش أن الحوافز والمكافآت المالية كانت في المرتبة الثالثة عشرة على قائمة العوامل المحفزة في جميع البلدان المشاركة في الاستطلاع. لذلك، فإنه على الرغم من أهمية المكافآت المالية، فإن أهميتها أقل بالنسبة لأغلب الموظفين، من التقدير والمعاملة باحترام.نشرت مجلة هارفرد بيزنيس ريفيو مؤخرا (2014) بحثا يتعلق بأهمية المكافآت الماليّة كمحفز للإبداع والابتكار. فقد وجد البحث أن مبالغ الحوافز المالية الكبيرة لا تزيد في أثرها عن الحوافز الماليّة الصغيرة. ورأت أن ما درجت عليه شركة مثل غوغل في تسمية مكافأة للأفكار الإبداعية تبلغ ملايين الدولارات قد لا يكون الأجدى. قد تتلقى المنظمة سيلا من الأفكار ولكن قد لا يصلح منها إلا النزر اليسير. ونظرًا لأن الأغلبية لا يفوزون بشيء، فإنهم مع مرور الوقت يملون ويحجمون عن الإتيان بأفكار إبداعية.يشير بعض الباحثين أن على المنظمات مطابقة أنظمة المكافآت مع الاحتياجات التحفيزية للموظفين، وبالتالي، فإن الحزمة التي تقدم للمستقطبين أو للموظفين الحاليين يجب أن تكون مزيجا من المكافآت المالية وغير المالية. ويشير خبراء الاقتصاد، أن دور الحوافز في تحفيز الموظفين مهم بالفعل. وبالتالي، فإنه يجب اتخاذ النوع الملائم من الحوافز. بالإضافة إلى ذلك، فإن مجرد الاستمرار في رفع الرواتب أو منح مكافآت أعلى، لا يكفي. كما أنه لا يكفي أن تدلع المنظمة موظفيها وتعلن إنجازاتهم للجميع. فالعامل الرئيس هو المواءمة بين المكافآت التي يتم تقديمها للموظف واحتياجاته الداخلية.إن المكافآت غير المالية لها تأثير جوهري على رضا الموظفين وتحفيزهم أكثر من المكافآت المالية التقليدية. فقد وجدت دراسة أجرتها مجموعة هاي الاستشارية (Hay Group)، في العام 2011، وشملت حوالي أربعة ملايين موظف من مختلف أنحاء العالم، أن الموظفين ذكروا أن مناخ العمل، والتطوير الوظيفي، والاعتراف بفضلهم، وبقية الحوافز غير المالية الأخرى هي من الأسباب الرئيسة لترك الوظيفة. حتى الموظفون المعوضون ماليا بشكل جيد قد يتركون المنظمة إذا كانوا غير راضين عن هذه الجوانب. لذلك فإن المنظمات التي لديها خطط حوافز غير مالية ممتازة تكون لديها قدرة أفضل من غيرها على استقطاب وتحفيز الموهوبين والاحتفاظ بهم.هل المكافآت المالية فعالة في العمل؟ الجواب يعتمد على ما نعنيه بالعمل. تشير الأبحاث إلى حد كبير، بأن المكافآت تنجح في تأمين شيء واحد فقط هو الامتثال المؤقت. فعندما يتعلق الأمر بإحداث تغيير دائم في المواقف والسلوك، فالمكافآت مثلها مثل العقاب فاشلة وغير فعالة. إذ بمجرد أن تنفد المكافآت يعود الناس إلى تصرفاتهم القديمة. وتشير الدراسات إلى أن تقديم الحوافز أحيانا هو أسوأ من عدم القيام بأي شيء على الإطلاق. فالمكافآت المالية هي نسخة مما يسميه علماء النفس المحفزات الخارجية. فهي لا تغير من المواقف التي تكمن وراء سلوكنا، ولا تخلق التزاما دائما لأي عمل أو قيمة نصبو إليها. فهي تحدث تغييرا لما نقوم به، وبشكل مؤقت فقط.على مدار العقدين الماضيين، هناك أكثر من عشرين دراسة أظهرت أن العاملين الذين ينتظرون تلقي مكافآت مالية لقاء إنجاز مهمة أو إتمام عمل بنجاح، ببساطة، لا يحققون أداء أفضل من أولئك الذين لا يتوقعون أي مكافأة أبدا. قد ننخدع بأثر المكافآت المؤقت على زيادة الإنتاج، ولكنها حتما لا تدعم نوعية الإنتاج. وهناك دراسة قام بها جود ريتش وجون لارسن (1982) وضمت 90 من أهم الشركات الأمريكية. كشفت أنه لا توجد أي فوارق في العائد على المستثمرين بين الشركات التي لديها برنامج حوافز مالية لكبار المديرين التنفيذيين، والشركات التي ليس لديها أي برامج مماثلة. وفي واحدة من أكبر الدراسات التحليلية، فقد أجرى الباحث ريتشارد غوزو من جامعة ميريلاند مع زملائه من جامعة نيويورك، في منتصف الثمانينات دراسة جامعة لما قبلها من أبحاث بلغت 98 دراسة تجريبية، فلم يجدوا أي علاقة جوهرية عامة بين الحوافز المالية والأداء. بل إنهم وجدوا أن لا علاقة بين المكافآت المالية وغياب الموظفين أو تركهم للعمل. وفي المقابل، فقد وجدوا أن التدريب وبرامج تحديد الأهداف للموظفين لها تأثير إيجابي على الإنتاجية أكثر بكثير من برامج المكافآت المالية.لماذا يعتمد معظم المديرين على الحوافز المالية؟ ربما لأن قليلا من الناس قد درسوا علاقة الحوافز المالية بمشاكل العمل الإنتاجية ومعنويات الموظفين. قد نحقق بالحوافز المالية التزاما مؤقتا يشعرنا باختفاء العلة. ولكنه من الصعب تحديد الأذى الذي تحدثه هذه الحوافز على المدى البعيد. فنحن تربينا من خلال والدينا ومدرسينا على تقبل الحوافز المادية: «افعل كذا، وخذ كذا». وقد تنبه عالم الإدارة ديمينغ إلى أن «المال غير محفز» حتى ولو كان وسيلة الناس للحصول على ما يحتاجون ويرغبون. كما أن المكافأة المادية والعقاب وجهان لعملة واحدة. فتسيير الناس بالمال أو بالسوط سواء، فهو لا يغير قناعاتهم أو يضمن استمرار سلوكهم. كما أن الحوافز المادية لها أثر سيّئ على علاقات الموظفين ببعضهم ببعض، وتحد من التعاون والعمل الجماعي، وتعمل على اختلال مفهوم العدل في المنظمة. إذ حصل خلال العقدين الماضيين نمو غير مسبوق في التعويضات فقط لكبار المسؤولين التنفيذيين (في أمريكا بلغ حوالي 300% بين العامين 1995و2005)، بينما لم يحصل العاملون إلا على نسبة زيادة طفيفة (4.3%). وهي تشجع المديرين على إغفال الأسباب الحقيقية لتدني الأداء. وعوضا عن الاستجابة لحاجات الموظف الحقيقية من احترام وتغذية عكسية، والتي تصب مباشرة في تحسين الأداء، يلجأ المدير إلى حل سريع يعالج به الأعراض لا العلة، فلا يشفى المريض ولا يوفر قيمة الدواء الكاذب.إن المكافآت المادية هِيَ عدو الإبداع والاكتشافات. فهي تقتل عنصر المبادرة ولا تجعل الموظفين يتحملون مخاطر تذكر. فالموظف يفعل ما يطلب منه فقط، خاصة إذا كانت المكافأة كبيرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المكافآت المادية تدمر الرغبة في العمل والدافع الذاتي لحب العمل.إذا كان الهدف هو التميز في العمل، فليس هناك محفز خارجي قادر على مجاراة الدافع الذاتي لحب العمل والإبداع فيه. فإذا كان الناس المتميزون في الأداء يحبون أن يتلقوا أجرا، ويحبون أكثر أن يتلقوا أجرا مجزيا، فإنهم لا يعملون أبدا من أجل المال، ولكن لأنهم يحبون ما يعملون. يجب ألا يغيب عن الذهن أهمية الأبعاد الأخلاقية والقيمية في أي مبادرة تطرح في العمل، أو أي سياسة تسن، لأن ذلك ما يدفع الأصلاء من الموظفين للعمل طوعا وبهمة عالية. أكاديمي مهتم بقضايا الموارد البشرية