نوه سميث

انتقاء الأسهم من أجل الاستثمار يظل موجودا في الساحة

مرت عدة عقود الآن، حين كان أستاذا العلوم المالية، والصحفيان الماليان، جاك بوجل وفانجارد، يحاولان إدخال هذه الفكرة في رؤوس المستثمرين: الإدارة النشطة سيئة. لا تقم بانتقاء الأسهم. عليك بالتنويع. قم بشراء صناديق المؤشرات منخفضة التكاليف والصناديق التي يتم تداولها في البورصة.الإدارة النشطة، أي الصناديق المدارة بفعالية انتقائية إيجابية بقرار من شخص معين، هي حين يقوم مدير المحفظة في أحد الصناديق بالاعتماد على الدراسات التحليلية والأبحاث عند اتخاذ قراراته بخصوص الأوراق المالية التي يريد شراءها وبيعها. أما الإدارة السلبية فهي حين يقوم مدير المحفظة بالتداول في الصناديق المشتركة والصناديق المدرجة في البورصة، في محاولة لاتباع مؤشر مرجعي معين. الآن يبدو أن العالم قد بدأ يستمع لهما أخيراً. كما يذكر جون أوثرز من الفايننشال تايمز، فإن الأموال تتدفق خارج صناديق الاستثمار المشتركة المُدارة بصورة نشطة إلى الصناديق السلبية: انهارت مبيعات الصناديق المُدارة بفعالية، خاصة في السوق الكبيرة للصناديق الأمريكية التي تستثمر في الأسهم. على مدى الأشهر الـ 12 الماضية، مثل هذه الصناديق شهدت عمليات استرداد الأموال (بإقفال التعاملات) وهي تتجاوز المبيعات الجديدة بمقدار 92 مليار دولار، حتى في الوقت الذي بلغت فيه قيمة الأموال الداخلة إلى الصناديق المنافسة غير الفعّالة (السلبية) صافيا مقداره 156 مليار دولار.الأموال من المؤسسات والمساهمين الأفراد التي كانت بالفعل تتدفق بدلاً من ذلك إلى الصناديق المنافسة غير الفعّالة تحوّلت إلى نوع من الطوفان. صندوق فيديليتي للاستثمارات، الذي كان ذات مرة أكبر مدير للصناديق في العالم، شهد تدفقات خارجة بمقدار 24.7 مليار دولار من صناديقه الفعّالة (أي النشطة أو الإيجابية) هذا العام؛ وصندوق فانجارد، خليفته كأكبر مجموعة لصناديق الاستثمار المشتركة في الولايات المتحدة، استقبلَ 188.8 مليار دولار من التدفقات الداخلة إلى صناديقه غير الفعّالة.بالطبع، هذه تدفقات، وليست المجموع الإجمالي النهائي. الغالبية العظمى من الأصول المالية في العالم لا تزال تُدار من خلال الصناديق النشطة التي تراعي اختيارات معينة عند التداول في الأوراق المالية. حتى بحلول عام 2020، تتوقع شركة برايس ووتر هاوس كوبرز أن أكثر قليلاً من خُمس الأصول العالمية فقط سيتم إدارتها بطريقة غير فعّالة. لكننا قد نشهد نقطة تحوّل - تُشير الإشارات إلى تراجع طويل بطيء وحتمي في الإدارة الفعّالة خلال العقود القليلة المقبلة.لماذا يحدث هذا؟ أحد الأسباب هو أن ما يسمى الفولكلور المالي– وهي الفكرة التي تقول إنك إذا كنت بارعاً وتتمتع باتصالات جيدة بإمكانك أن تجد مدير أموال سيقوم بالتفوق على السوق من أجلك، حتى بعد استيفاء الرسوم من حسابك- يتم استبداله بفولكلور جديد قدَري يتركز في الدليل الأكاديمي. الأكاديميون وشركات أبحاث القطاع الخاص على حد سواء كانت تعطينا، عاما بعد عام، مجموعة من الدراسات التي تُظهر كيف أن عددا قليل من مدراء الأموال يمكنهم التغلّب على السوق، ومدى نجاحهم القليل الذي يستمر من عام إلى آخر. توقع أن تستمر تلك الدراسات بالصدور. في نفس الوقت، بدأ الناس يدركون أنه حتى لو قام أحد مدراء صناديق التحوّط البارعين بالتغلّب فعلاً على السوق، فهم يميلون للاحتفاظ بمكاسبهم لأنفسهم بدلاً من تمريرها لك، أنت المساهم.ثانيا، الاستثمار السلبي غير الفعّال أصبح أسهل من قبل. إن ظهور الصناديق التي يتم تداولها في البورصة يعني أنه يمكنك شراء وبيع السوق بالكامل- أو شريحة كبيرة منها- بالسرعة التي تستطيع فيها بيع سهم واحد. يميل المساهمون إلى تقييم السيولة، والصناديق التي يتم تداولها في البورصة تمنحك التنوع للتداول في أحد صناديق المؤشرات مع المزيد من السيولة قليلاً. أحياناً استثمار مبلغ قليل هو كل ما تحتاجه للدخول في استثمار معين في الصناديق السلبية التي تكتفي باقتفاء مؤشر معين في البورصة، مثل مؤشر ستاندرد أند بورز 500.ثالثاً، نحن نعيش في عصر أسعار الفائدة المنخفضة. وهذا يميل لجعل الرسوم أكثر وضوحا، ومن المعروف أن الإدارة الفعّالة لديها رسوم أعلى من الإدارة غير الفعّالة. رسوم الإدارة السنوية البالغة 2 في المائة هي أسهل على المستثمر، الذي يتقبلها بسهولة حين تكون أسعار الفائدة 6 في المائة أكثر مما لو كانت أسعار الفائدة بمعدل صفر في المائة. بعبارة أخرى، بيئة أسعار الفائدة المنخفضة ربما تُجبر مدراء الأموال على التنافس على السعر بدلاً من الوعود بتحقيق مستويات عالية من النتائج الاستثمارية. لكن حتى إذا ارتفعت أسعار الفائدة، يبدو من غير المؤكد أن مدراء الأموال للصناديق النشطة سيكونون قادرين على رفع رسومهم إلى مستويات منتصف العقد الأول من الألفية، بمجرد أن بدأ المساهمون في الاعتياد على دفع نسب مصاريف ضئيلة للصناديق التي يتم تداولها في البورصة وما إلى ذلك.لكن مع تراجع الإدارة الفعّالة، بدأ بعض مراقبي الصناعة بالتساؤل حتى ماذا تعني كلمة الإدارة «الفعّالة أو النشطة». التعريف مشوش أكثر مما يظهر عليه. في يوم من الأيام، كانت كلمة «فعّالة» تعني انتقاء الأسهم، وكلمة «غير فعّالة» تعني شراء أحد صناديق المؤشرات والاحتفاظ به إلى أن يرتفع المؤشر. لكن في هذه الأيام، البورصة في بلدك ما هي إلا واحدة من العديد من الأسواق التي تستطيع الاستثمار فيها- هناك البورصات الأجنبية، والسندات الخطرة، والسلع الأساسية والعقارات. وإذا أردتَ التنويع حقاً وبشكل كامل، عليك الاحتفاظ بكل هذه إلى حد ما.بطبيعة الحال، بإمكانك القيام بذلك من خلال الصناديق التي يتم تداولها في البورصة. لكن بأية نسب ينبغي عليك الاحتفاظ بهذه الفئات من الأصول المختلفة واسعة النطاق؟ الأمر ليس واضحاً على الإطلاق، حيث إنه لا يمكن احتساب القيمة الإجمالية الحقيقية لهذه الأصول بسهولة. تحديد كمية الأموال التي يجب وضعها في البورصات الأجنبية مقابل البورصات المحلية، على سبيل المثال، هو قرار فعّال حتى المساهمون غير الفعّالين عليهم اتخاذه.بعبارة أخرى، محاولة انتقاء فئة من بين فئات الأصول المختلفة أخذ يحل الآن محل الانتقاء التقليدي للأسهم ويصبح هو الوضع الجديد.هناك أيضاً مسألة توقيت السوق. تقليدياً، هذا يخضع لرئاسة الإدارة الفعّالة، وتُظهِر الدراسات والأبحاث أن الناس لا يتمتعون بقدرة جيدة على معرفة توقيت السوق. لكن كثيرا من الاستراتيجيات التي يوصي بها حتى المختصون بالعلوم المالية في الجامعات، مثل المتوسط من حيث تكلفة الدولار وإعادة التوازن السنوية، هي في واقع الأمر أشياء تتعلق بتوقيت السوق. بما أن حجما كبيرا ومتزايدا من الاستثمار المتنوع يجري عبر الصناديق التي يتم تداولها في البورصة، والصناديق التي يتم تداولها في البورصة هي سائلة بشكل كبير، فهذا يجعل من السهل تحديد الوقت الذي فيه تدخل إلى السوق أو تخرج منها ككل. وهذا قرار من الناحية الأساسية يعتبر نشطا وفعالا، وليس مجرد قرار سلبي.معنى ذلك أن الإدارة الفعّالة للصناديق ربما لا تكون في حالة احتضار، مع أن الاستثمار يصبح أقل وأقل فعالية مع الزمن. ربما من الأفضل رؤية الإدارة الفعّالة وغير الفعّالة ليس من خلال اللونين الأبيض والأسود، لكن بدرجات اللون الرمادي. نتيجة الدراسات والأبحاث، ونتيجة التكنولوجيا الجديدة والتغيرات في الاقتصاد الكلي، نجد أن الاستثمار الآن أخذ يتحول إلى أشكال أكثر تنوعاً وأقل تكلفةً. لكن الحاجة للقيام بقرار ذاتي لن تختفي أبدا.