د. صباح عيسوي

ثقافة الطفل من أسوار الكتب إلى فضاءات التقنية 2

إن النقلة النوعية التي أحدثها دخول التقنية لثقافة الطفل بوجه خاص - كونها قاعدة خصبة للتقنية - جعلت هذا الشكل الجديد جزءا جوهريا من ثقافة طفل اليوم. وقد قوبلت هذه الثقافة التقنية التي تعتمد بالدرجة الأولى على الصورة بمواقف مختلفة بين مؤيد ومعارض، الأمر الذي دفع بالدراسات النقدية والإعلامية إلى بحث أثر العنصر البصري في كتب الأطفال وأدبهم. ومع تغير موقف النقاد من التركيز على النص كأيقونة لغوية إلى القراءة النفسية والاعتماد على استجابة القارئ إلى العوامل الاجتماعية، انتقل الاهتمام إلى اعتبار أيديولوجيات السرد، وبدأت موجة من الأسئلة النقدية تتعلق بكيفية قراءة العمل الفني الذي يعتمد على الثقافة البصرية وهو ما يطلق عليه بعض النقاد مسمى النص الثالث.إن أبرز إشكاليات هذه النصوص يتمركز حول فهم المعنى، وفي مثل هذه الحالة يبرز السؤال: ماذا عن فهم الإعلانات التي تتخلل البرامج والأفلام وتعتمد على الصورة السريعة التغير والتتابع المصحوبة بالموسيقى والكلمة المسموعة، وأحيانا المكتوبة، وقد تعمد إلى بناء تهكمي ساخر؟ ألا نستطيع فهم مضمون تلك الإعلانات؟ لذا فإن إشكالية فهم المعنى في النص الثالث أو النص التشعبي hypertext يمكن دحضها بسهولة. ألا تعتبر العصا واللوح المستخدمان منذ قديم الأزل أساليب تقنية؟ ورغم هذا لم تؤثر على عملية القراءة بل على العكس فقد ساعدت على الاستيعاب.ويرى أنصار النص الثالث أن مثل هذه النصوص ليست بالحديثة، فمثلا في مجال تعليم الصغار غالبا ما يصحب تقديم النص شروحات إما مكتوبة أو منطوقة وكذلك رسوم وصور توضيحية، وقد تستخدم الأفلام أو الزيارات الميدانية أو كتب أخرى أو نقاشات، كل هذا يعد وسائل متعددة الوسائط تحول النص من صورته الأصلية المكتوبة، وبالتالي فإن النص التشعبي أو hypertext لا يعد تجربة جديدة أو غريبة.لذا فإن ما نحتاجه اليوم هو الثقة في قدرات الطفل على الاستفادة من التقنية خاصة مع أساليب التعلم الحديثة التي ترى دور المعلم في تيسير التعلم وليس "التعليم" بالمفهوم التقليدي. ولذلك فإن النص التشعبي والوسائل التقنية الحديثة ما هي إلا وسائل مساعدة على اختيار الطفل أفضل أساليب التعلم للدخول فيما يسميه باختين Bakhtin النص الحواري dialogism. من ناحية أخرى، تنظر دراسات المتلقي audience studies إلى الطفل بصورة تختلف كلية عن الصورة التقليدية التي ترى الطفل كمستقبل خامل، إذ تعتبره متلقيا نشطا ومنتجا دائما للمعنى المرسل عبر النص في صوره الإعلامية المتعددة media text. فالمعنى لا ينحصر في النص، وإنما ينتج عن طريق تفاعل القارئ/المتلقي مع النص. هذه العملية تعتمد على الثقافة، الجنس، المقدرة اللغوية، الحالة النفسية، التوجيه وغيره، ويقوم المتلقي خلالها بإعادة تركيب النص الذي يصل إليه عبر الوسائل الإعلامية المتعددة، ويضيف له معنى ثم يدمجه مع خبراته السابقة ويجعله جزءا من فهمه للعالم.إن مثل هذه الدراسات النقدية تسهم في تقبلنا للأشكال الجديدة في ثقافة طفل اليوم، لكن السؤال المؤرق هو: هل نستطيع أن ننتج تلك الثقافة القادرة على الخروج من الأشكال التقليدية لتحلق في فضاءات التقنية؟.