م. محمد زعل الحربي

خطر المواد المشعة.. في صناعة الحديد

يبلغ حجم تجارة تدوير حديد الخردة، أو ما يسمي بالسكراب، العالمية بحسب الهيئة الدولية لإعادة التدوير في بلجيكا ما يعادل 580 مليون طن عام 2013م من إجمالي الحديد العالمي المنتج والبالغ نحو 1607 ملايين طن، مما يعني أن معدل نسبة خردة الحديد المستخدمة تبلغ 36%.وتتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول المصدرة لخردة الحديد بنحو 20 مليون طن سنوياً عام 2013م يتم تصدير نحو 30% من هذه الخردة إلى تركيا، أما دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون، والتي تعتبر ثاني أكبر مصدر عالمي لخردة الحديد بأكثر من 16 مليون طن سنوياً، فإنها تصدر أكثر من 60% من إجمالي صادراتها إلى تركيا.مصادر السكرابعندما نتحدث عن مصادر السكراب الذي يستخدم في صناعات الحديد فإننا نتحدث عن المخلّفات الصناعية التي تحتوي على معدن الحديد والتي تم التخلص منها، إما بسبب التلف أو التقادم أو عدم الجدوى الاقتصادية، وتتنوع مصادرها من بقايا وأجزاء وسائل النقل بأنواعها، كالسيارات والقطارات والطائرات والسفن وغيرها، الى المعدات والآليات سواء الصناعية أو العسكرية، بالإضافة إلى كثير من مخلفات الصناعات الحديدية كالأنابيب والأجهزة والعدادات الكهربائية والأسلاك، والمعدات المنزلية. ومن المؤسف، أن بقايا ومخلفات المعارك والحروب العسكرية في مناطق النزاعات أصبحت مصدرا لدى بعض الباحثين عن الربح السريع من مصادر تجميع حديد الخردة وبيعه.وتُستخدم خردة الحديد، مع الحديد الخام المختزل، في صناعة الحديد كجزء من المدخلات الرئيسية لهذه الصناعة لإنتاج منتجات الحديد الطولية كحديد التسليح ولفائف الأسلاك، وهذان المنتجان تحديداً يعتبران العصب الرئيسي في المباني السكنية والانشاءات عموماً بأنواعها. ومن النواحي الفنية التقليدية لعمليات إنتاج الحديد، أنه يتم شحن أفران صهر الحديد المذاب بنسب تتراوح بين 10%-40% من خردة الحديد ويتم تغطية بقية النسبة من الحديد الخام المختزل، أما بعض مصانع الحديد التجارية، وصغيرة الحجم فتستخدم نسبة 100% من خردة الحديد لإنتاج المنتجات الطولية، وهنا تكمن بعض مكامن الخطر إذا غاب التدقيق. قد تكون خردة الحديد سلاحا ذا حدين، فبعض هذه الخردوات المعدنية قد تشكل مصدراً خطيراً بحسب مصدرها ففي حالات بعيدة عن بلادنا، وتحديدا في بعض الدول التي تستخدم الطاقة النووية، تشكل المواد المشعة خطرا إذا ما تسربت إلى أجزاء معدنية وحديدية وتم استخدام هذه المواد لاحقا كحديد خردة لتغذية بعض مصانع الصلب والحديد التجارية.أما في المملكة على سبيل المثال، هناك نمو في مصانع الحديد التجارية صغيرة الحجم التي يتجاوز بعضها معايير الجودة والسلامة بحثا عن الربح السريع، وكثير منها مصانع قائمة على صهر حديد الخردة، وبالطبع لا يوجد أي أنظمة لفحص جودة وسلامة مدخلات التصنيع والتأكد من استيفائها لأبسط مقومات الحماية، ويعد ذلك مؤشراً خطيراً يدق ناقوس الجودة والسلامة. لا يتوقف التلوث الاشعاعي لخردة الحديد عند المعدات العسكرية، بل يشمل الأجهزة التي تستخدمها بعض الجهات أو الشركات والمصانع لغرض الفحص الاشعاعي تكون هي ذاتها مصدرا محتملا للإشعاعات، فيكون تحويل هذه الأجهزة إلى خردة بعد انتهاء عمرها الافتراضي أو تلفها مصدر خطر كبيرا. طرق الحماية يوجد ثلاثة مستويات للحماية من استخدامات حديد الخردة المشع، المستوى الأول متعلق بأنظمة الحماية والكشف عن المواد المشعة، وهي أنظمة متقدمة ومتطورة يجب أن تكون لدى مصانع الحديد التي تلتزم بمواصفات الجودة العالية فيجب على مصانع الحديد أن تتأكد بأن حديد الخردة المستخدم خال تماماً من كافة أنواع الاشعاعات وأن الموردين لحديد الخردة لديهم الوعي الكامل والقدرات الفنية المتقدمة للفحص والكشف عن الاشعاعات.والمستوى الثاني، يجب أن تقوده الجهات الحكومية المعنية عبر متابعة تحقيق مصانع الحديد الصغيرة لمعايير الجودة والسلامة الانتاجية، كما يجب أن تكون إجراءات الاستيراد والعقود متماشية مع كافة الالتزامات البيئية والصحية التي تؤكد خلو تلك المواد المستوردة من أي محتويات ضارة وتأتي المواد المشعة على رأس القائمة، وهناك جهود تستحق الاشادة تبذلها الجمارك السعودية بالعمل مع الجهات ذات الاختصاص؛ مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عبر إقرار آليات لفحص حديد الخردة المستورد وضمان خلوه من التلوثات الاشعاعية.إن ثقل صناعة الصلب والحديد، ودرجات الصهر والحرارة العالية، ليست المأمن الوحيد لضمان الجودة والسلامة لمدخلات لم يتم التحقق من مصادرها الحقيقية، ولم تمر بمراحل من التدقيق والفحص. إن الموثوقية العالية لسلسلة عمليات تصنيع الحديد تتطلب جهداً واستثمارات عالية وأنظمة جودة وسلامة متقدمة، وليس فحص مدخلات خردة الحديد وخلوها من الاشعاعات والمواد المدمرة للمجتمع والبيئة سوى جزء في منظومة الجودة.