الرياض.. موقع الخريبة بالعلا لوحة جمالية حية لآثار «مملكة دادان»
تُعدّ «الخريبة» من أجمل وأهم المواقع الأثرية في العلا، وتقع في شمالها الشرقي، وأصبحت بطبيعتها الجاذبة، وآثارها الرائعة لوحة جمالية مفتوحة للزوار ووجهة سياحية رئيسية، ويوجد بها مشروع للهيئة العامة للسياحة والآثار، يتضمن إنشاء مركز للزوار، وقاعة للعرض المرئي، ومركز للأبحاث، وممرات حجرية ولوحات إرشادية وتعريفية تضم معلومات وصوراً عن تاريخ الموقع وآثاره.وموقع الخريبة هو جزء من أطلال مدينة دادان القديمة، وهي حاضرة مملكة دادان العربية ثم مملكة لحيان التي أعقبتها في حكم المنطقة، وقد برزت سيادة دادان على المنطقة خلال القرن السابع قبل الميلاد، وامتد نفوذها إلى كثير من المواقع المجاورة، في حين امتد نفوذ مملكة لحيان من القرن السادس قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد، ودلت الشواهد الأثرية على فترات متفاوتة تجمع بين القوة والضعف لهذه المملكة التي حكمت معظم أنحاء شمال غرب الجزيرة العربية.وتحوي الخريبة عدداً من المواقع الأثرية من أهمها «مقابر الأسود» و«محلب الناقة»، كما يوجد عدد من النقوش والصخر المنحوت، والآثار المتناثرة في الموقع، وقد وثقت النقوش في الخريبة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والدينية والاجتماعية للحيانيين.وتشتهر الخريبة بمقابر الأسود الأربعة، حيث كان الأسد يمثل رمز القوة والمنعة في ثقافة العالم القديم في مختلف الحضارات، ووجدت منحوتات للأسود في الخريبة أبرزها نحت الأسد الذي عثر عليه عام 1914م ونحت اللبؤة التي ترضع وليدها، إضافة إلى الأسود الأربعة التي تعلو مقبرتين جنوب موقع الخريبة.كما يوجد كذلك في المنطقة «محلب الناقة» وهو حوض دائري الشكل منحوت بالصخر عُرف محليًا باسم «الحلوبة» أو «محلب الناقة».ووجدت في الموقع مجموعة من المجامر المنحوتة والأحواض والقدور الحجرية وعناصر معمارية بعضها مزين بأشكال حيوانية، ودراسة هذه المنحوتات تؤكد وجود مدرسة محلية للنحت في المنطقة.كما عُثر في موقعي أم درج والخريبة على العديد من المنحوتات الحجرية بعضها وجد على سطح الموقع الأثري وبعضها عثر عليه أثناء التنقيب، وهي منحوتات محلية الصنع تعود في تاريخها للفترة الواقعة بين القرنين السادس والثالث قبل الميلاد.وبعض هذه المنحوتات لأشكال آدمية تخص ملوك لحيان وهي كبيرة الحجم ومسجل على بعضها أسماء الملوك، كما تظهر تأثيرات المناطق الحضارية المجاورة (مصر وبلاد الرافدين) في منحوتات الخريبة مما يؤكد دور منطقة العلا كنقطة التقاء بين حضارات الشرق الأدنى القديم.وأثبتت الدراسات الأثرية تشابه فخار الخريبة مع الفخار الذي عثر عليه في تيماء وفي قرية في تبوك من حيث الشكل والزخرفة إلا أن فخار الخريبة أكثر خشونة، وتظهر على فخار الخريبة عناصر زخرفية لأشكال حيوانية ونباتية وهندسية مرسومة بالألوان: الأسود والبني والأحمر، كما وجدت في موقع الخريبة أفران لحرق الفخار في الجزء الشمالي الشرقي من الموقع.وبحسب المصادر التاريخية نقلت بعض الحجارة المقطوعة من أنقاض المباني في موقع الخريبة وأعيد استخدامها في بناء بيوت البلدة القديمة بالعلا، وبعض هذه الحجارة المنقولة تحمل نقوشًا كتابية وبعضها الآخر يحمل عناصر معمارية إضافة إلى بعض المجامر المنحوتة التي أعيد استخدامها كعناصر زخرفية في جدران بيوت بلدة العلا القديمة. ومقابر الأسود هي مجموعة من المقابر منحوتة في الجهة الجنوبية من واجهة جبل دادان (الخريبة) وهي عبارة عن فجوات مستطيلة الشكل تبلغ أبعادها «80X80 سنتمترًا» بعمق يزيد على مترين، وتؤرخ هذه المقابر إجمالًا بالقرن الخامس قبل الميلاد (الفترة اللحيانية)، وسميت بمقابر الأسود لوجود نحت بشكل خرافي لأربعة أسود تعلو مقبرتين من هذه المجموعة، وكان الأسد يمثل رمز القوة والمنعة في ثقافة العالم القديم في مختلف الحضارات.أما «محلب الناقة» فهو عبارة عن حوض دائري الشكل منحوت بالصخر، عُرف محليًا باسم محلب الناقة أو الحلوبة، ويبلغ قطر الحوض 3.75 متر وعمقه 2.15 متر ويتسع لنحو 6000 جالون من الماء (2400 لتر)، وتوجد بداخله ثلاث درجات منحوتة في الكتلة الحجرية نفسها لتسهيل النزول إليه، ويذكر المؤرخون أن هذا الحوض خصص للطقوس المتصلة بالشعائر الدينية.وبدأ قسم الآثار والمتاحف في جامعة الملك سعود بالتنقيب في موقع الخريبة عام 2005، وقد كشفت أعمال التنقيب عن المركز الديني الرئيس في دادان وهو ذو مخطط مستطيل تبلغ أبعاده 16 مترًا طولًا، و13.20 متر عرضًا، ويشتمل المبنى على وحدات معمارية مبنية بالحجر الرملي المقطوع من الجبل المجاور. ويجري فريق من هيئة السياحة والآثار وجامعة الملك سعود تنقيبات في الموقع الذي يحوي آثاراً مطمورة للمدينة. وتتميز العلا بمواقعها الأثرية المهمة وطبيعتها الجميلة ومن أبرز مواقعها مدائن صالح والخريبة والعكمة وصخرة الفيل والبلدة القديمة، وتتوفر في العلا المنتجعات والفنادق التي تستقبل السياح المحليين من المواطنين والمقيمين وخاصة في الإجازات الأسبوعية والموسمية.