محمد العلي

الساحق

الساحق، كلمة يقشعر منها السمع وتتلفت العينان خوفا.. أما في حال الغضب فتنبت لها أنياب فاتكة، ولك أن تتصور من أو ما تطلق عليه، غير أني هنا أطلقها على شيء لا يتصور أحد أني أطلقها عليه أبدا، وهو «العلم»، نعم العلم.منذ حبا الانسان على الأرض، والعلم يشق أمامه الدروب إلى حقول المعرفة ويضع عليها المصابيح، ولكنه يأخذ الثمن من راحة الانسان في عدم الفهم ومن بهجته بالوهم والاساطير.. فالاساطير تخلصك من جاذبية الأرض ومن سأم التكرار في الحياة اليومية.. إنها تسبح بك في فضاء المخيلة التي لا تعرف حدودا والتي لا تعرف شيئا يسمونه: (السببية) تلك التي وضعها العلم لجاما على الخيال.أراك تبتسم بسخرية فاقعة من هذا الذي يُعتبر ساحقا مثل «صخر حطه السيل من علِ» على رأسه.. ولكنه يقول لك بهدوء: لا تعجل وتأمل معي ما يلي: العلم– يا أخانا– لا ذاكرة له ومعنى ذلك، أنه لا قلب له، فكل نظرية علمية جديدة تسحق النظرية التي قبلها بلا رحمة، وتمحوها من الوجود المعرفي محوا... إنه لا ينظر إلا إلى الأمام، ولذلك قام بفظاظة (بنزع السحر عن العالم) كما يقول ماكس فيبر، وهذا يعني أنه سيبقى في صراع دائم مع الشعر، ولك أن تتصور حال انتصار العلم على الشعر، حيث يتحول العالم إلى صحراء قاحلة وتتحول القلوب إلى مجرد تجاويف.ماذا يحدث لو قرأت عن عالِم الآثار الذي كلما كبرت زوجته أحبها أكثر لأنها تقترب من عالَم الآثار، أو عالِم في قراءة الحروف المسمارية... ماذا يحدث لو قرأت على أحدهما هذه المقاطع:«سمعت في شطك الجميلما قالت الريح للنخيلتسبح الطير أم تغنيوتشرح الحب للخميلوأغصن تلك أم صباياشربن من خمرة الأصيل؟»«طال الحكي عا باب بيتن طالوتنهدت وتكسر الموالأولمّا عيونا بالدمع ضحكوما اعرفت إيه اللي اتئالكيف انئال»«داره دوري بيناظلي دوري بيناتاينسوا أساميهنننسى أسامينا»لو قرأت عليه هذا، ألا يصفعك لو استطاع ببيت المتنبي:أصخرة أنا مالي لا تحركنيهذي المدام ولا هذي الأغاريد؟بلي، ورب الكعبة.