د. أمل الطعيمي

عذبةٌ أنت

جميلٌ أن يأخذنا الشعر من حين لآخر إلى حدائق الحب والخيال والجمال والعالم الذي نتفيَّأُ فيه تحت ظلال المشاعر الجميلة التي سكبها لنا الشعراء في قصائد لا تموت، بل لا تذبل، فهي تتجدد بتجدد الأرواح المحبة التي تشدو للجمال، وهو يتجمل أكثر عندما يختص بامرأة ما.كانت بيئة الشاعر حاضرة دائماً، يختار منها أوصافه وتشبيهاته لحبيبته، ولكن أبا القاسم الشابي كان الأعذب في اختياراته كعذوبة محبوبته في قصيدته الرائعة الرائقة الراقية (عذبة أنت)، حيث قدم لنا صوراً مختلفة من الجمال القريب منا والبعيدة عن كثير ممن سبقوه: عذبة أنت كالطفولة كالأحلامكاللحن كالصباح الجديدكالسماء الضحوك كالليلة القمراء كالورد كابتسام الوليد... أنت روح الربيع تختال في الدنيا فتهتز رائعات الورودوتهب الحياة سكرى من العطرويدوّي الوجود بالتغريدعشرات من الأوصاف والتشبيهات قدمها الشاعر لامرأة استثنائية على طبق من حب طرّزه بهاء الدهشة الذي أوقعه في حيرة من أمره؛ فراح يشبهها بكل جميل في متناول اليد، لدرجة الاعتياد على جماله؛ فلا يفطن له على كل حال!! جمال الطفولة براءة وشقاوة، ضحك وبكاء، لذة الأحلام بعوالمها المتنوعة المزروعة ببهجة الألوان، واللحن ذلك الذي يهزنا طرباً وانتشاء، أو يبكينا ويجرجر آهاتنا.. الصباح الذي ينبعث كل يوم بجمال مختلف أخاذ فلا يفطن إليه إلا إحساس مرهف كإحساس «الشابي» الذي يشف عن متضادات الحياة، «الأمل والألم»، حيث كانت لهما المساحة الأوسع في حياته. كانت نظرة الشابي للحياة نظرة مختلفة باختلاف بيئته التونسية الخضراء على مستوى الوطن وبيئته الخاصة بين جدران بيته وروحه المطوقة بالخيبات والآلام فجاء شعره مكتئباً بائساً، فلبسنا له ثياب الفقر والقهر والمرض وجاء متفائلاً فرقصنا على ايقاعه طرباً ونشوة.وفي حسنائه العذبة جمع لنا ما أمكنه من باقات الجمال حوله بشكل سريع ومتتابع، بايقاع يتراقص مع حرف الكاف كما تراقصت نبضات قلبه لجمال امرأة أحبها فأحببناها معه، ونحن نتخيله يقف فاتحاً ذراعيه يستقبلها مزهواً بجمالها كما لم تزهُ هي به.كانت حيرته تنقله من تشبيه لآخر دون أن يصل إلى التشبيه الأقرب والأنسب، فلربما هي واحد من ذاك وربما كانت كل ذلك الجمال:أنت ما أنت؟ أنت رسم جميل عبقري من فن هذا الوجودفيك ما فيه من غموض وعمقوجمال مقدس معبود... أنت ما أنت؟ أنت فجر من السحرتجلّى لقلبي المعمودملأته الدهشة حيرة فراح يتساءل مرات عن سر ذلك الجمال، ويقرر في حالات أخرى حاسماً كل حيرة معلقة ليقول: أنت.. أنت الحياة، ويختار لها الأجمل منها.. «رقة الفجر، ورونق الربيع.. الشباب والجمال والخيال ثم يراها فوق ذلك كله فيقول:أنت فوق الخيال والشعر والفن وفوق النُّهَى وفوق الحدودويغوص في عمق انبهاره وحبه؛ فتخور قواه ويصرخ مستغيثاً بها منها ومن كل أساهأنقذيني فقد سئمت ظلاميأنقذيني فقد مللت ركوديوحرام عليك أن تهدمي ما شاده الحسن في الفؤاد العميدوحرام عليك أن تسحقي آمالنفس تصبو لعيش رغيد* عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام