عودة نتنياهو.. تبديد لفرص السلام!
مثلت الانتخابات التشريعية الإسرائيلية الأخيرة انتصاراً لبنيامين نتنياهو. وعلى رغم أن استطلاعات الرأي كانت تؤشر إلى أنه سيواجه صعوبات، فإنه تقدم بوضوح على منافسه مرشح الوسط. ولذا سيعمل على تشكيل حكومة جديدة يغلب عليها اليمين إلى حد بعيد، مع مكوّن قوي أيضاً من اليمين المتطرف. وفي الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، عبّر نتنياهو عن معارضته لإقامة دولة فلسطينية من الأساس، متراجعاً بذلك عن تصريحات رسمية سابقة كان قد أصدرها. ومع هذا فما قاله هو حقيقة موقفه طوال ماضيه السياسي. فطيلة وجوده في رئاسة الوزراء بذل كل ما في وسعه لجعل المفاوضات تطول، ومن أجل ألا تتكشف أيضاً عن أي شيء. وفي الوقت نفسه عمل على تسريع وتيرة أعمال الاستيطان في فلسطين. ومنذ عام 1993 أعلن ابتداءً معارضته العنيدة لاتفاقات أوسلو. والراهن أن عودة نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية، من جديد، من شأنها أن تبعد كل فرص تحقيق السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط. ولئن كان موقف نتنياهو قد تعزز الآن، فإن موقف إسرائيل ليس كذلك، فقد باتت ترزح في عزلة، غير مسبوقة، على صعيد عالمي. وقد أعلن رئيس موظفي البيت الأبيض في واشنطن أن «إسرائيل لا يمكنها الاستمرار في إبقاء سيطرتها العسكرية على شعب آخر. والاحتلال الذي دام حتى الآن 50 عاماً يتعين أن يدرك نهايته». لقد وصلت العلاقات بين نتنياهو وأوباما إلى أدنى مستوياتها. ذلك أن نتنياهو الذي وقف أصلاً ضد أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2012، جاء أيضاً مؤخراً ليقف أمام الكونغرس، لإلقاء خطاب عارض فيه بقوة سياسة التقارب مع إيران التي يتبناها البيت الأبيض. ومع أن دعم إسرائيل في أميركا عادة ما يكون قضية ثنائية الحزبية، إلا أن نتنياهو جازف بإعلان دعمه الصريح للحزب «الجمهوري»، ومعارضته للحزب «الديمقراطي»، وقبل ذلك لم يلتفت بأي شكل لمعارضة أوباما القوية لاستمرار أعمال الاستيطان.ولكن نتنياهو يراهن على أن البرود الشديد في علاقاته مع الرئيس الأميركي لن يكون له أي تأثير أو تداعيات على الدعم الذي تقدمه له الولايات المتحدة. والحال أن المساعدة العسكرية والمالية لم يقع الحديث عن أي مساس ممكن بها، ولذا يفضل نتنياهو رهان الانتظار حتى حلول موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016 على أمل أن يقع انتخاب مرشح «جمهوري»، أو حتى المرشحة الديمقراطية المحتملة هيلاري كلينتون التي تصنف عادة بأنها أكثر إيجابية تجاه إسرائيل من الرئيس أوباما. ومن هنا وحتى حلول ذلك الموعد يستطيع نتنياهو إطلاق أمواج من الوعود بفتح المفاوضات مع إضمار نية ألا تفضي إلى أية نتيجة. وهو مقتنع بأن الدبلوماسيات الغربية لن تمضي إلى ما هو أبعد من إطلاق احتجاجات لفظية على سياساته العنيدة. إن مثل هذا المنطق يمكن أن يكون رابحاً في المدى القريب، إلا أنه كارثي على المدى البعيد. أولاً وقبل كل شيء، بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي تستمر معاناته جراء شرور الاحتلال، وخاصة القمع الصارخ في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وكذلك الاستمرار في فرض الحصار الخانق على غزة وغياب فرص إعادة الإعمار بعد الهجمات الإسرائيلية على القطاع في صيف 2014. وهو أيضاً منطق كارثي ورهان خاسر بالنسبة لمصالح إسرائيل نفسها. وليس ثمة ما يدعو لاستبعاد احتمال عودة أعمال العنف. ويمكن أن تطال أيضاً العرب الإسرائيليين الذين يزداد شعورهم بأنهم ضحايا تفرقة عنصرية، وإن أصبحوا أيضاً أكثر تمثيلاً في البرلمان الإسرائيلي. وقد بات مَن ولدوا على أرض فلسطين أقل تحملاً وصبراً لرؤية أنفسهم وهم يصنفون في درجة أدنى، وتساء معاملتهم من قبل مهاجرين جدد، أتوا من الاتحاد السوفييتي السابق، ويحملون مشاعر ونبرة عنصرية صريحة. وفي الذهن هنا تصريح أفيجدور ليبرمان مهدداً بقطع أعناق العرب الذين لا يبدون ولاءهم وإخلاصهم الشديد لدولة إسرائيل، فمثل هذا الكلام العنصري يظهر بعض ما يعرفه المجتمع الإسرائيلي من انجرافات. والمفارقة أن هذه التصريحات الفجة، وغير المقبولة، لم تقابلها أية عاصفة احتجاجات، بل إن من المتوقع أن يعود أفيجدور ليبرمان نفسه في الحكومة، ومقعده فيها ما زال شبه محجوز سلفاً. أما ردود فعل الحكومات الغربية على ممارسات إسرائيل فتبقى خجولة، أو بكلمة أدق، هي في حالة عجز مطبق تجاه تل أبيب. ومع هذا فقد سجل تحول دولي مهم مع فرض عقوبات تجارية بُعيد حرب غزة، وخاصة من قبل دول أميركا اللاتينية. وإذا كانت الهند تحتفظ بعلاقات ثنائية مهمة مع إسرائيل، يدعمها وصول رئيس وزراء قومي إلى السلطة هناك، فإن بقية الدول البازغة الأخرى تأخذ كلها مسافة أمان من الدولة العبرية. فهذه الأخيرة لم يعد ينظر إليها كبلد صغير يكافح من أجل البقاء، وإنما كدولة تمارس الاحتلال والقمع على شعب آخر. وقد بات يكذب الخطاب الغربي عن الديمقراطية والقيم الكونية ذلك الدعم شبه غير المشروط لإسرائيل. وهنا في مقدور المجتمعات المدنية في الدول الغربية أن يكون لها دور حاسم في ممارسة الضغط على حكوماتها لكي تغير مواقفها، وليكون لها موقف حيال الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، أكثر تلاؤماً مع مبادئها المعلنة. وهناك الآن حملات متزايدة تطالب بوضع حد لحالة استعمارية تعتبر غير متوافقة، بأي شكل، مع قيم الغرب التي يرفعها، ويزعم التعلق بها.