الشعوبية في ثوبها الجديد 2-2
في السنوات الأخيرة أطلت علينا الشعوبية بشكل جديد بل بعدة أشكال، فلم يعد فيها التقليل من شأن العرب ظاهرا كما كان في السابق بل ولم يكن هو الهدف؛ لأنها أخذت شكل الاستعداء الذي يلبس ثوباً مختلفاً في كل مرة، فتارة هي المنقذ لكل مظلوم أو موهوم بالظلم المعتق، وتارة هي الفارس الذي سيركب صهوة المجد ليرد الكيد الاسرائيلي ويستعيد فلسطين، ومرة هي التي ستبطش بالحكام الظالمين وتخلص الشعوب منهم!! كل ذلك في تناقض سافر بين ما تدعيه في الخارج وبين ما يمارسه مشعلوها على أرضهم من ظلم وفساد متعدد الصور، ومع هذا كانت دعاواها تلك كفلت لها أن تمد يدها في كل قطر عربي وإسلامي، بل وغيرهم هناك في العمق الأفريقي حيث الجهل والفقر والمرض، وفي كل مكان يكون فيه الإنسان بحاجة للقمة عيش يدفع لها مقابل حين يجند للشر ليكون وقودا لكل حرب تخوضها لخدمة الهدف الأسمى لهم وهو استرداد أمجاد فارس قبل أن يضيعها العرب. وإذا كان العرب قد قوضوا أمجاد كسرى بالإسلام فها هم الفرس يوهمون الناس أنهم يصلحون الأحوال بالإسلام، ولكن بصورة أخرى مشوهة غارقة في الجهل والتجاهل الخداع الذي انطلت حيلتهم به على كل جاهل ذليل الروح مرتاب في أمره وأمر دينه، ففي ذلك كله كانت تطل برأس الدين الذي تشكله في كل مكان وفق ما تريده، ووفق حال ذلك القطر الذي تدس أنفها به. فمدت يدها الشيطانية للتعاون مع المنحرفين من الشيعة والسنة بل وحتى مع من لا مذهب له دينياً كان أو غيره، فتعطي كلاً منهم وهماً يناسب أحلامه فتارة بالمال وأخرى بإغراء السلطة والزعامة فيصدقونها وهم يدركون كذبها، فلربما تصدق مع أعوانها على الأقل. ولكنها تمكنت منهم حين سمحوا لها باستغلال نقاط ضعفهم، فالموالي القدماء الذين زعمت أنها تسترد كرامتهم استبدلتهم اليوم بالشيعة الذين يعيشون وهم المظلومية حتى وان كانوا ممن يغرقون في كنوز من الذهب والشهادات العليا والمناصب الرفيعة. واستبدلتهم أيضاً بالسنة الذين عاشوا وهم الخلافة الإسلامية وآمنوا بكذبة أنها ستعود، ولا يهم كيف تعود حتى لو كان الطريق إليها يبدأ من طهران! فرأى كل مخادع فيهم نفسه على كرسي تلك الخلافة، فتراكضوا خلف كل مستبد وكل ممول للشر سعياً للوصول إلى ما يحلمون به. وما بين بائع لأرضه وبائع لدينه وبائع لمذهبه نسي الجمع كلهم أنهم باعوا عروبتهم بثمن بخس لكيان متلون كالحرباء، استغل نقاط ضعفهم وحركها لصالحه حين أهداهم السلاح ليضغطوا على الزناد في وجوه بعضهم بعضا لتنطلق الرصاصة الأولى، فتكون نقطة تبدأ منها لعلعة الرصاص. كثير منا في البداية خدع بخطابات حسن نصر وسرعان ما اكتشف المخدوع أنها مجرد جعجعة لا طحن لها، وتوالت الخدع على كثير من العامة من الناس، وفي المقابل حذرت قلة قليلة من هذا التمدد الظاهر والخفي الذي حاولت الدول العربية أن تتعامل معه بضبط النفس واختيار الحلم والحنكة السياسية في التعامل معه. ولكن نجاح ايران في استخدام حصان طروادة - كما عبر عن ذلك د. النفيسي - وهو حصان التشيع الذي غازلت به العقول والقلوب في الحقيقة مجرد وسيلة نجحت أحياناً، واستعصت أحياناً أخرى في سبيل الوصول إلى ما تريد، وهو ذلك الثأر من كل ما هو عربي سنياً أو شيعياً من أحفاد الغزو الإسلامي الذي أطاح بأركان فارس القديمة، التي يريدون لها أن تنهض وأن تبسط سلطتها على العالم العربي عامة ودول الخليج تحديداً. وكما كان كل فقير أو فاسق في العصر العباسي عكازاً تتكئ عليه الشعوبية، عادت اليوم لتتكئ على الحوثيين في اليمن وعلى من استهلكت الحروب آدميتهم في العراق، فانتشت وزين لها وهمها الذي جعلها تستمرئ الخراب حتى في عقر دارها الذي خرجت منه. فهل يصلح هذا الإفساد الذي عملت وتعمل عليه لبناء امبراطورية فارسية جديدة؟ لا والله لن تفلح ليس لأننا نقول ذلك، بل لأن الله جل وعلا يقول: (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) فأين الذين سعوا إليها ووضعوا أيديهم فوق يدها عن هذا الفساد الذي جرته معها على كل أرض بسطت نفوذها فيها؟ ألا يعقلون ويقارنون ليفيقوا من أوهامهم؟.* عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام