بدأت سلطات الاحتلال الاسرائيلي تفكر مليا في الورطة التي ورطت نفسها بها، بعد اعتقال امين سر حركة فتح في الضفة الغربية، مروان البرغوثي، وعلى ما يبدو انها اقتربت من ساعة الحسم القضائية، وباتت تفكر في السبل الافضل، من ناحيتها، لمحاكمة البرغوثي وعدد من القادة الميدانيين من عدة فصائل فلسطينية. وأول قرار اتخذته هو محاكمة البرغوثي والاربعة الآخرين امام محكمة مدنية اسرائيلية، وليس محاكمة عسكرية، وذلك لان المحاكم العسكرية متهمة دائما بعدم العدالة، وشدة احكامها، ومن يعرف محاكم اسرائيل المدنية يعرف انه لا فارق ابدا بين نوعي المحاكم حين يكون المتهم عربيا.
وادعت وزارة القضاء الاسرائيلية ان السبب لاتخاذ هذا القرار لمنع انتقادات دولية باعتبار انها تحاكم من يعتبر شخصية سياسية، وليست عسكرية، وان اسرائيل تريد فتح ابواب المحكمة امام وسائل الاعلام لتثبت لها الى اي حد كان البرغوثي مشاركا في العمليات العسكرية ضد اسرائيل.
ولكن قرار وزارة القضاء يواجه انتقادات في النيابة، وحتى في النيابة العسكرية، وليس من المستبعد ان تتراجع اسرائيل في لحظة معينة عن قرارها.
والامر الذي تدركه اسرائيل انه اذا تم فتح ابواب المحكمة امام وسائل الاعلام فانه لن تكون فقط اسرائيلية مجندة للطغمة الاسرائيلية الحاكمة وانما ايضا امام وسائل عالمية تتعاطف مع الشعب الواقع تحت الاحتلال وحقه في النضال من اجل التحرر.
وذروة الحرج الاسرائيلي سيكون حقا اذا دافع البرغوثي شخصيا عن نفسه، كما اعلن عنه محاميه، وقد شهد التاريخ محاكمات تاريخية وقف فيها مناضلون كبار يدافعون عن انفسهم، ولا شك في ان خطاب البرغوثي سيتركز في هذه الحالة على طبيعة واقع الشعب الفلسطيني وحقه في النضال، خاصة ان البرغوثي لديه رصيد ملموس في العملية السلمية ومسار اوسلو.
لا يمكن اتهام المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة بالغباء، فحتى جرائم الحرب التي ترتكبها بحاجة الى ذكاء معين. وعلى ما يبدو فان اسرائيل تحاول التخلص كليا من البرغوثي، وهي تجرب الآن زج اسمه ضمن قائمة تبادل الاسرى مع حزب الله اللبناني، وقد وسعت وسائل الاعلام الاسرائيلية الحديث عن هذه الامكانية، إلا ان الامين العام للحزب، الشيخ حسن نصر الله، نفى ان تكون هناك مفاوضات حول هذا الموضوع.
وقبل نحو اربعة اسابيع جربت اسرائيل طريقة ثانية للتخلص من البرغوثي وعدم محاكمته، وذلك من خلال ابعاده، ولكن اسرائيل تراجعت عن هذا الموضوع، تجنبا لارتكاب مخالفة جنائية دولية، خاصة بعد الاول من يوليو مع بدء عمل المحكمة الدولية لجرائم الحرب، والجرائم الدولية.
اسرائيل اعتقلت مروان البرغوثي، وحقا انها تعذبه وتحقق معه بسادية ارهابية. ولكنها عمليا اعتقلت نفسها وتورطت معه.