عندما فكر "شكسبير" في نقد الغيرة المفرطة عند الرجل تجاه زوجته، كتب مسرحية "عطيل" ولما أراد أن يختار شخصا مناسبا للقيام بدور عطيل، لم يجد انسب من العربي من بين أجناس الشعوب، لما يتمتع به من الغيرة والأنفة وبغض العار، فكان عطيل المغربي لكن "شكسبير" لم يخرج عطيل في صورة الممدوح بل أخرجه في صورة المذموم، حيث صور لنا طيشه وعدم تريثه، فقد استمع لكلام "ياجو" الذي أوغر صدره على زوجته "ديدمونة" فخنقها على سريرها وهي تتوسل إليه، فلما علم ببراءتها قتل نفسه هو أيضا، فكانت المأساة .
هكذا تفعل الغيرة المفرطة، وهكذا يستغلها أصحاب الدسائس والشرور، وللأسف نجد هذه الغيرة المفرطة قد أطلت برأسها في ميادين أخرى لا تقل مأساتها عن مأساة عطيل، فان كان عطيل قتل "ديدمونة " فهناك مليون عطيل يقتل إبداع النساء والفتيات بدافع الغيرة المفرطة، فكم من فتاة تكتب القصة منعها أبوها من نشرها ولو بالاسم المستعار، وكم من زوجة تكتب الشعر وأد زوجها تلك الموهبة في مهدها فسد نافدة في نفسها تطل على السعادة والارتياح، هناك من الفتيات والنساء من أبدعن في كتابة الخواطر والمقالات لكن غيرة الأب والزوج وقفت سداً منيعاً في خروجها إلى الناس إنني لا أدعو إلى شر أو منكر، لكنني انقل هذه التصرفات التي ليست من الدين، وإنما هي عادات وتقاليد فرضها علينا طبعنا المتأزم، وشكوكنا التي ازدحمت بها الصدور، وإنني أدعو الرجال إلى الرجوع إلى تاريخنا المجيد لنرى كيف صنعت النساء المحدثات والأديبات، والشاعرات فلم يقف الحياء والعفة مانعين في طريقهن بل على العكس، فالحياء والعفة يضمنان للمرأة حياة رغيدة، ونفسا مطمئنة .
فالحياء والعفة ليسا قيداً للمرأة بل هما حصن لها من الأعداء والأهواء، فمتى نأخذ بأيدي زوجاتنا وبناتنا وأخواتنا إلى رحاب أوسع من التعبير عن المشاعر وترك النفس على سجيتها، كي لا يصير حالهن كحال "ديدنمونة" ؟