في صحيفة يابان تايمز
خطاب الرئيس الأمريكي بوش انتظره العالم طويلا لاطلاق عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وكسر دائرة العنف إلا أن بوش وإدارته تبنيا بدلا من ذلك وعلنا الأجندة الإسرائيلية الرامية لاجبار الفلسطينيين على الإذعان والاستسلام. توهم بوش بأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمكن معالجته من خلال سلسلة خطابات يلقيها ليس دليلا على ضعف القيادة فقط بل يجعل المصالح الأمريكية في المنطقة عرضة للخطر بشكل كبير. لقد فشلت إدارة بوش فشلا ذريعا في فهم المشكل الفلسطيني الإسرائيلي وبصفة خاصة المأزق الفلسطيني الحالي الناشئ بشكل أساسي من اعادة اسرائيل احتلالها المساحات الصغيرة التي كانت قد وضعت تحت السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو السلمية.
وحتى يضيف الإصابة الى تسبيب الأذى فان بوش يواصل سوء ادارة السياسة الامريكية بدرجة من عدم الخضوع لمساءلة الكونجرس الامريكي لم يسبق لها مثيل. فمحاولات بوش المتسلسلة لمعالجة هذه المشكلة مرتبة بحيث يتبع الفشل كل خطوة يقوم بها كما يلي.. تجاهل المشكلة .. فشل. ارسال وزير الخارجية كولن باول الى المنطقة.. اخفاق . تقرير ميتشل.. فشل. خطة تينيت .. فشل. خطاب بوش امام الامم المتحدة .. فشل. خطاب باول السياسي في كنتاكي..فشل.ارسال الجنرال انطوني زيني في مهام متعددة .. فشل ثم الدعوة الاخيرة لعقد مؤتمر دولي ( الذي تم تجاهله تماما في خطاب بوش الاخير).. فشل.
لو وظفت الجهود التي بذلت في كل واحدة من تلك المحاولات لتجنب قيام الولايات المتحدة بعمل حقيقي وفعلي يوضع ميكانيكية لانهاء الاحتلال الاسرائيلي لكانت المنطقة قد خرجت الان من المشكلة وتم حلها تماما.
بالنسبة لجمهور احمق قد يبدو خطاب بوش كما انه اطار عمل معقول لتحقيق تقدم. لكن بالنسبة لاي شخص لديه فهم لحقيقة ما يجري في الشرق الاوسط. فالخطاب بكل وضوح خطوة ضحلة جدا في العمل الدبلوماسي ترقى الى تسليم الولايات المتحدة قياد سياستها في الشرق الاوسط الى رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون واللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة. وقد وجد الخطاب بالفعل القبول والترحيب من اليمين الاسرائيلي الذي ظل على الدوام يرفض قيام دولة فلسطينية ايا كانت.
ما زال بوش يعاني عدم القدرة على الابصار بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر ويرفض ( او يتجنب بطريقة ماكرة) رؤية القضية الفلسطينية خارج اطار ظاهرة ارهاب لم يتم بعد الاتفاق على تعريفها.
فالفلسطينيون جردوا من حقوقهم الوطنية والمدنية والانسانية منذ عشرات السنين قبل ان تصبح كلمة ارهاب الكلمة الطنانة والمتداولة على كل لسان.
والولايات المتحدة بوضعها النضال الفلسطيني من اجل الحرية والاستقلال ضمن قالب الحادي عشر من سبتمبر لا تعمل سوى على اطالة الوصول الى حل وفي نفس الوقت تغذي استمرار سفك الدماء.تماما مثلما ظلت تفعل اسرائيل طوال 36 عاما وحتى اليوم.
الولايات المتحدة اليوم في وضع يمكنها بالفعل من القيام بعمل حقيقي. وان تستخدم ثقلها الدولي لانهاء الاحتلال الإسرائيلي بدل الإذعان لحكومة إسرائيلية متطرفة تنظر لمستقبل المستوطنات غير المشروعة بنفس الطريقة التي تنظر بها لمستقبل تل ابيب. بتحجيمها الصراع في المنطقة بأكمله وربطه بوجود أو ذهاب زعيم أو زعماء فلسطينيين تكون ادارة الرئيس بوش قد وقعت في مصيدة صممت وأخرجت وسوقت من قبل شارون.
كان على بوش أن يتذكر ان الرئيس الأمريكي الاسبق جيمي كارتر كان واحدا من فريق المراقبة الدولي الذي اشرف على الانتخابات الفلسطينية. ووقع على نزاهة انتخاب الرئيس الفلسطيني. اضافة الى ذلك ان الفلسطينيين يدركون تماما مواطن الضعف في قيادتهم ويعكفون على معالجتها منذ عدة سنوات. وبدلا من تدعيم جهود الاصطلاحيين الفلسطينيين اختارت الولايات المتحدة ان تجعل مهمتهم اكثر صعوبة بجعلهم يبدون وكأنهم منحازون الى جانب استراتيجية اسرائيلية تضع الاصلاح قبل الحرية.
ان شن حملة عالمية بقيادة الولايات المتحدة للتدخل في السياسة الداخلية الفلسطينية لن يفعل سوى احداث انتكاسة لجهود اولئك الفلسطينيين الذين بدأوا بالفعل في القيام بخطوات راسخة لاحداث التغيير.
ورسم السياسة الامريكية في المنطقة بأسرها حول اجراء انتخابات جديدة لرئيس فترته الرئاسية على وشك الانتهاء مثال اخر لتوجيه اسرائيل للسياسة الامريكية . ان الاكثر اثارة للخوف هو معايير بوش التي اشترطها للقيادة الفلسطينية الجديدة. بان لا تكون "متورطة في الارهاب". ولا يمكننا الا ان نفترض ان ذلك ستتم ترجمته على طريقة اسرائيل. ليعني ان الذين سيتم الاعتراف بهم لدى واشنطن هم اولئك الفلسطينيون الذين لم يشاركوا في المقاومة ضد الاحتلال. وهي طريقة ذكية فليس هناك فلسطينيون يمكنهم استيفاء هذه الشروط الامريكية. وبذلك تعطى اسرائيل المزيد من الوقت لتدمير المجتمعات الفلسطينية والقضاء على اي امل للتعايش. شارون ، مستشارو بوش ، اللوبي القوي المناصر لاسرائيل في الولايات المتحدة والكونجرس الامريكي قد عملوا جميعا لدفع الرئيس بوش ليكون (شهيد ) استمرار الاحتلال العسكري الاسرائيلي للفلسطينيين.
فبوش يقف مفتخرا وماضيا في تأييد اسرائيل بينما نجد الاقتصاد الامريكي وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة والامن الداخلي الامريكي والقيادة الامريكية للعالم جميعها تتلقى ضربات سياسته المنحازة والقائمة على سوء النصائح والمشورة.هذا اذا كان لنا ان نسميها سياسة. خلال العامين الماضيين كتب معدو هذا المقال عن كل الجوانب التي ذكرها بوش في خطابه. لقد تنبأنا بكل خطوة فاشلة اقدمت عليها الولايات المتحدة .وفي كل مرة كنا ننصح الولايات المتحدة بان الطريق للخروج من الازمة هو الاقدام على القيام بعمل وليس كلمات لانهاء الاحتلال الاسرائيلي.
ومازلنا نعتقد بقوة انه كلما سمح للاحتلال الاسرائيلي بالاستمرار فان الولايات المتحدة ستجد نفسها بحاجة لاعادة طرح الموضوع سواء في عشرة ايام ، عشرة اشهر او عشر سنوات وستواجه نفس الوضع: فلسطينيون مجردون من حقوقهم ،كرامتهم، وارضهم وحريتهم مستمرون في النضال بوجود او في غياب عرفات لانهاء ازمتهم. واسرائيليون مستمرون في معاناتهم.
لقد حان الوقت ( ان لم يكن فات حسب قول باول) لتقوم الولايات المتحدة بربط كلماتها بافعال. وحتى يحدث ذلك فنحن بانتظار الخطاب القادم الذي يلقيه بوش مع تجهيز انفسنا لسلسلة العمليات الانتحارية القادمة.
ــــــــــــــــــــــــ
سام باحور رجل اعمال فلسطيني امريكي مقيم في مدينة البيرة واحد مؤلفي كتاب "HOMELAND: Oral Histories of Palestine and Palestinians" (1994)
وميشيل داهان اسرائيلي امريكي متخصص في العلوم السياسية ويعيش في القدس