هناك اشياء قد نراها نحن الكبار ولا نتأثر بها ربما لانها اشياء ليست بجديدة علينا، ولكنها قد تكون خطرا بالنسبة لطفل صغير او مراهق، ذلك ان الصغار عادة لا يفرقون بين الحقيقة والخيال.. او الصالح والطالح.
وقد يكون الخطر اليوم اكبر منه في السنوات الماضية نظرا لازدحام الفضائيات بالاعمال الهابطة والتي تدخل بيوتنا من دون رقيب ولا حسيب محملة بمفاهيم وافكار دخيلة على مجتمعنا.. تستفز عقول الابناء وما نشأوا عليه من قيم واخلاقيات وتتحدى قوتهم ومقدرتهم على مقاومة السقوط تحت تأثير الجديد والمثير.
وبالاضافة للفضائيات السيئة هناك الانترنت الذي لا يصلح معه في كثير من الاحيان مقص الرقيب!
كما ان هناك ما هو اسوأ بكثير وهي تلك الكتب السيئة التي تعطي من يقرأها افكارا خاطئة ومنحرفة عن الزواج وغيره والتي غالبا ما تحمل اسماء كـ (شهر عسل بلا خجل) او (ليلة الزفاف).. الخ.
وهذه الكتب الرخيصة للأسف تجدها منتشرة بين فئة المراهقين بصفة خاصة نظرا للفضول الذي يتصف به كل مراهق ورغبته المستمرة في معرفة كثير من التفاصيل المتعلقة بالجنس الآخر.
فمن يحمي الصغار من غزو المحطات الفضائية وأفلام الفيديو الهابطة والمجلات والكتب المسيئة والمفسدة للأخلاق وللمثل الدينية والاجتماعية.
والجواب المنطقي هو (الآباء) وهذا صحيح ولكن كيف يمكن للاباء ضمان عدم انصياع الابناء لكل ما هو موجود في الاسواق وعدم تسللهم الى مناطق المعلومات الممنوعة؟
وهل ينجح الاهل في زرع بذور الرقابة الذاتية داخل الابناء لحمايتهم وهم بعيدون عنه؟
هذا ما سنعرفه من خلال هذا التحقيق الذي اجرته (اليوم) مع مجموعة من الشبان والفتيات والاهل حول مدى رقابة الاهل على ما يشاهده ويقرأه الصغار، ومدى التزام الابناء بقوانين الرقابة الاسرية.
(الوقاية خير من الرقابة)
يؤمن معظم الآباء ان اسس التربية الصحيحة وبث القيم والمبادئ الدينية في نفوس الاولاد منذ الصغر تلعب دورا كبيرا في فرض رقابة ذاتية من الابناء على خياراتهم من المواد الاعلامية المتوافرة بكثرة وتنوع. وكما تقول السيدة مني ام لستة ابناء: لقد ربيت ابنائي على المبادئ والقيم الاسلامية منذ الصغر، كذلك ربيتهم على الصراحة والمفاتحة. لذلك هم يحملون قناعاتي نفسها حول الصالح والطالح من برامج التلفزيون والمجلات. فهم يعرفون كما افهمتهم ان كثيرا من الافلام والصحف الغربية لا تناسب مفاهيمنا وقيمنا، وهي وجدت فقط للتسلية ولا يجب التأثر بها والوقوع تحت سيطرتها.
وتضيف: انا اسمح لهم بقراءة المجلات الاجنبية ولا احرمهم من مشاهدة الافلام او المسلسلات الاجنبية ولكنني احرص على معرفة محتواها ايضا افضل ان يشاهدوا الافلام والمسلسلات العربية وخصوصا الخليجية لانها اقرب الى بيئتنا.. بصورة عامة انا اشعر ان ابنائي يراقبون ما يقرؤون ويشاهدون ذاتيا ومن دون وجودي معهم. وتؤيد ام فيصل وهي ام لثلاثة ابناء مبدأ الرقابة الذاتية ايضا، حيث تقول لا نستطيع في الوقت الحالي، شئنا ام ابينا ان نمنع وصول الارسال التلفزيوني من مختلف دول العالم الى بيوتنا، وحتى لو لم نسمح به في بيوتنا، فان ابناءنا سيذهبون لمشاهدة ما منعناه عنهم في بيوت اصدقائهم او المقاهي التي تقدم خدمة الانترنت.. لذا لابد من انشاء علاقة جيدة بين الآباء والابناء منذ طفولتهم مبنية على التفاهم والاقناع حتى نبني داخل الابناء رقابة ذاتية اوقات ابتعادهم عن اهاليهم.. ولكن هذا لا يلغي ضرورة الرقابة المباشرة من الاهل ومتابعة ما يشاهده ويقرأه الابناء خصوصا في سن المراهقة الحرجة.
وترى هناء الشبلي 25 عاما انه بعد سن 18 لايمكن للاهل فرض الرقابة المباشرة على الابن لان ذلك يسيء الى الابن ويدفعه الى التمرد وترى ان الافضل هو تعليمه المفاهيم والقيم الاسلامية والعربية منذ الصغر، ثم بعد ذلك يتم اعطاؤه الاستقلالية في اختيار ما يريد قراءته او مشاهدته. وهو حتما لن يحيد عما تربى عليه وسيحترم ثقة والديه وآراءهم بصورة تلقائية.
ومن المنطلق نفسه عمل اسماعيل المبرزي اب لثمانية ابناء علي بث القيم والمبادئ الشرقية في نفوس اولاده منذ الصغر. وكما يقول: انا لا اقول لابني لاتحضر فيلما او كتابا وسواه.. ولكني قبل ان يصل ابني الى المرحلة التي اقلق فيها عليه اخبره ان هناك افلاما ومجلات لا يجب الاطلاع عليها لانها لا تتناسب مع عاداتنا وتربيتنا.. ولم يحدث في يوم من الايام ان تابع اولادي فيلما او قرأوا مجلة من دون علمي او بعيدا عما هو مسموح لهم فيه فانا اراقبهم دائما ولكن بطريقة غير مباشرة لا ازعجهم بها.
ولكن الاب عبدالعزيز الاحمدي يعترف انه لا يستطيع ان يمنع ابناءه من مشاهدة كل شيء قائلا ان لم يشاهدوه في البيت سيشاهدونه في مكان اخر، الا ان التربية السليمة والعلاقة الجيدة بين الاهل والابناء تكفلان عدم تأثر الابن او البنت بما يشاهدونه مما لا يتلاءم مع قيمنا ومفاهيمنا ولكن بصورة عامة انا اشعر ان ابنائي يطلعوني على كل ما يشاهدونه ويقرؤونه.
و.. رقابة صارمة
ولكن هناك مجموعة من الآباء لايؤمنون بترك الامور في ايدي الابناء فالغزو الغربي في نظرهم اخطر من ترك حرية تقييم آثاره لاولاد وبنات مازالوا في سن لا تؤهلهم للحكم الصحيح.. فمثلا يقول ابو ماجد وهو اب لخمسة ابناء انا الرقيب الوحيد في بيتي على ما تشاهده الاسرة من برامج وافلام وهذا يعني ممنوع مشاهدة اي فيلم غربي من دون اذني.. فانا اثقف ابنائي بالشكل الذي اراه سليما واحذرهم من مغبة الوقوع تحت تأثير الفيلم الغربي الذي لا يمت لواقعنا بصلة.
وقد ربيت ابنائي منذ صغرهم على قراءة القرآن الكريم لتهذيب اخلاقهم.. لقد عودت ابنائي على قراءة المجلات والكتب العربية فقط، خصوصا تلك التي تصدر في المملكة.
اما السيدة اشواق وهي ام لطفلين فتقول: اطفالي لا يقرؤون شيئا ولايشاهدون اي برنامج الا بعلمي، او بالاصح في حضوري.
وترى اشواق ان على الوالدين مراقبة ما يشاهده او يقرأه الابناء مراقبة مباشرة يومية، ولا يتركوا للخدم مهمة الرقابة، فهم لا يعرفون ما يفيد الاولاد وما يضرهم ولا يهمهم الامر في الاساس على حد قولها.
وتقول فاطمة جاسم ام لثمانية ابناء اتابع ما يشاهده ابنائي على شاشة التلفزيون حتى لا يشاهدوا ما يضرهم ويتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا.. ولكنني لا اعتقد ان اولادنا يطلعوننا على كل ما يقرؤونه، خصوصا في سن المراهقة، حيث يميلون للاستقلالية ويرفضون ان يتدخل احد في شؤونهم، ولكن في البداية يجب ان نزرع فيهم القيم المثلى.
اما مرضية محمد فهمي وهي ام لثلاثةابناء فهي ترفض ان يشاهد ابناؤها الافلام والبرامج التي تحتوي على مناظر تخدش الحياء اما بالنسبة للمجلات التي تقرؤها ابنتها غالبا فهي من بيئتها وتقول: ألاحظ ان ابنتي تطلعني على كل ما تقرؤه او تشاهده عن طيب خاطر منها ولكنني الاحظ ان ابني يميل للاستقلالية اكثر ويصعب علي السيطرة على ما يقرؤه من مجلات غربية لا اعرف ما تحويه حتى الآن. وكذلك تتابع حصة عبدالرحمن وهي ام لخمسة ابناء كل ما يشاهده ويقرأه ابناؤها وتمنعهم من مشاهدة الافلام الاجنبية والمسلسلات المكسيكية التي لا تتناسب مع عاداتنا وقيمنا وطباعنا كما تقول..
وقالت ام اخرى انها لا تسمح لابنائها بمشاهدة الافلام الهندية والمسلسلات المكسيكية لان فيها من المناظر ما تسيء الاخلاق ولا تتفق مع قيمنا ومبادئنا الاسلامية.. وهناك ما تمنعه ايضا من الافلام المشجعة على العنف.
وماذا يقول الابناء؟
وهل نجح الآباء فعلا في زرع الاسس والقيم الواقية داخل الابناء لحمايتهم من الغزو الثقافي المرفوض؟ وهل نجحوا في التحكم بالمادة الاعلامية التي يطلع عليها الابناء سواء بوجود الاهل او بغيابهم؟
في حديث مع مجموعة من الابناء في سن المراهقة تبين ان كثيرا منهم مقتنع بافكار ومفاهيم ذويهم ويتبنون وجهات النظر نفسها بالنسبة الى ما هو صالح لهم وما هو غير صالح.. فمثلا تقول مي 14 عاما امي تعلم بكل تصرف اقوم به وانا لا اقرأ او اشتري الا المجلات التي تسمح لي والدتي بقراءتها ونفس الشيء ينطبق على مشاهدتي لافلام الفيديو والسينما لانها تكون معي دائما وقت مشاهدتي للتلفزيون مساء.
ويقول راشد الرشيد 17 عاما: انا لا اهتم الا بدروسي ولا اقرأ اي مجلة او كتاب لا يكون له علاقة بدراستي لذلك حين ارغب في شراء مجلة او كتاب فانني لا استشير والدي لان ما اشتريه لا يضر بالاخلاق.
ورغم ان هند 18 عاما لا تطلع اهلها على كل الكتب او المواقع التي تقرؤها ورغم تمتعها بكامل حريتها في اختيار برامج التلفزيون دون تدخل الاهل وكذلك الانترنت.. فانها توافق على مبدأ رقابة الآباء لما يطلع عليه الابناء لان حسب قولها كثيرا من الفتيات يتبعن عواطفهن ولا يفكرن بعقولهن في مرحلة المراهقة ويتأثرن كثيرا بما يشاهدن من افلام لذلك يجب ان يشرف الاهل على ما يشاهده الابناء حتى لا ينحرفوا.
ولكن هناك من الابناء ايضا مجموعة لا تؤمن برقابة الاهل على كل ما يطلع عليه الابن ويصرون على ممارسة شيء من الاستقلالية في ثقافتهم.
يقول محمد العنزي 22 عاما لا اجد انه من الضروري ان يطلع الآباء على كل ما يقرأه او يشاهده الابناء لان نظرة الشاب للحياة تختلف عن نظرة ابيه انا مثلا اقرأ مجلات غربية واشاهد ما يحلو لي من افلام ومسلسلات من دون وجود رقابة من جهة والدي فانا اتبع وسيلة تثقيفية خاصة بي.
ولا تذكر مشاعل 19 عاما انها رجعت لوالديها فيما تقرأ من مجلات وكتب او فيما تشاهده من برامج تلفزيونية قائلة: انا اختار ما سأقرؤه واشاهده وحدي من دون الرجوع لاحد. اما ع الميموني 18 عاما فصراحتها مع والديها لم تصل الى حد اطلاعهما على كل ما تقرأ وما تشاهد وتقول: انا مستقلة في خياراتي في امور المجلات والتلفزيون، ولا اعتقد ان ذوقي يتفق مع ذوق والدي. وفي النهاية نحن نقول ان كل ممنوع مرغوب لذا يجب على كل اب وام عدم تشديد الرقابة ومنح الابناء الكثير من الثقة مع المراقبة عن بعد وذلك من شأنه زرع الرقابة الذاتية في نفوسهم كتقدير منهم لهذه الثقة.