بعد اكثر من قرن من استيلاء ملك البلجيك ليوبولد الثاني على بلاد الكنغو وموافقة المستعمرين الاوروبيين والبريطانيين له بان يجعلها ملكا خالصا له مطلق التصرف في سكانها وثرواتها يجري محققون تحقيقا واسعا في ماضي البلجيك الاستعماري وجرائم الابادة الجماعية التي كانت بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا على علم بها وتسترت عليها. السلطات البلجيكية نفسها اضطرت للاستجابة للضغوط الشعبية التي مورست عليها وقبلت بتشكيل لجنة تحقيق تضم كبار المؤرخين لتمليك الشعب الحقيقة التي اخفيت عنهم طوال هذه المدة.
اتهامات مأساوية موثقة ومؤكدة لكن ظلت تنكر دائما ومؤداها ان عشرة ملايين مواطن كنغولي اما قتلوا عمدا او اجبروا على العمل حتى الموت تحت سلطة وامرة جيش خاص تابع للملك السفاح. وان النساء كن يتم اغتصابهن بشكل منتظم وايادي واكف المزارعين واطفالهم كانت تبتر وتنهب وتدمر ممتلكاتهم وتحرق قراهم. كل هذا لم يسمح بمناقشته او الاطلاع عليه ولم تقدم بلجيكا اي اعتذار. العديد من هذه الاتهامات نشرت في كتاب باسم (شبح الملك ليوبولد) للمؤلف الامريكي ادام هوكشيلد. والذي عندما نشر عام 1999 اثار مشاعر المؤرخين البلجيك لكنه لم يفلح في دفع الجهات الرسمية للتحقيق. وقد قارن المؤلف ما ارتكبته الادارة البلجيكية في الكنغو بما عرف بالهلوكاست وجرائم ستالين. جيدو جريسيلز مدير متحف المقتنيات البلجيكية المنهوبة من الكنغو قال سننظر في هذه الاتهامات وسنتحرى صحتها وبحلول عام 2004 سنحاول تقديم اجابة على ما ورد في الكتاب.. فنحن لا نستطيع تجاهل تلك الاتهامات لانها اصبحت مزعجة والجميع يثيرونها من وقت لاخر ولا نعرف ماذا نقول لهم. لا شك في ان التحري في هذه القضية سيجبر السلطات البلجيكية على تحمل تبعات ما ارتكبتها بلجيكا في تلك المستعمرة ومعالجة قضية ظلت محرمة منذ ان قام المستكشف الويلزي المولد هنري مورتون استانلي بضم بلاد المطاط والعاج الكنغو لممتلكات ليوبولد عام 1885م
لجنة التقصي البلجيكية يرأسها البروفسور جان لوك فيللوت ستبدأ العمل خلال الشهرين القادمين وتقدم نتائج عملها في عام 2004 بمناسبة مرور قرن على وفاة استانلي كجزء من معرض يقام ضمن متحف الكنغو.
هذا المتحف المقام بالقرب من بروكسل بمثابة قصر ضخم شيده ليوبولد بالاموال التي استنزفها من الكنغو وهو بمثابة صندوق هياكل الكنغوليين العظمية وجماجمهم. وفيه العديد من الادلة المعروضة للفرجة احضرت بطرق مشبوهة وللاستمتاع فاصبحت شهادة حية على الجريمة.و يخلد المتحف ايضا اسماء وافعال كبار الضباط البلجيك الذين كانوا يعتبرون ابطالا لكنهم اليوم مجرمون في قفص الاتهام. من المفارقات ان داخل المتحف نصبا يبدو عليه طفل كنغولي يتطلع الى منصر ابيض وتحته عبارة (البلجيك ادخلوا الحضارة الى الكنغو) التي اصبحت مثالا للتهكم والتندر. كانت الكنغو التي بمساحة غرب اوروبا ملكا خالصا مغتصبا للملك ليوبولد يتصرف في سكانه وممتلكاته بيعا وقتلا واستعبادا وقهرا كما يشاء. يقول البروفسور جريسيلز ما تكشف كان بمثابة صدمة بالنسبة لنا..لقد ولدنا وتمت تنشئتنا على اننا نحن الذين نقلنا الحضارة وكل شيء خير الى افريقيا. ولم نعرف او ندرس مثل هذه التهم بارتكاب جرائم وحشية في المدارس. وهذا التحقيق يعتبر مجرد مدخل وخطوة متواضعة باتجاه تصالح البلجيك مع ماضيهم ومواجهته.
كان الملك ليوبولد قد نصب نفسه مالكا لدولة الكنغو الحرة عام 1885وقبل وفاته بعام واحد في عام 1908 قام ببيع مستعمرته هذه للدولة البلجيكية التي ظلت تحكمها بشكل لا يقل عنما كان يحدث في عهد ليوبولد حتى استقلالها عام 1960. ويعادل الكنغو البلجيكي كما كان يعرف مساحة بلجيكا 76 مرة وكان المواطنون يجبرون على جمع مادة المطاط من الغابات ومن يفشل في احضار الكمية المكلف بها تبتر يداه او قدماه او ايدي واقدام اطفاله وتسبى زوجته.
في الفترة بين عامي 1880 ـ 1920 انخفض عدد سكان الكنغو بمقدار النصف. ويعتقد ان ما لا يقل عن عشرة ملايين شخص كانوا ضحايا الجوع والقتل والعمل الاجباري. منذ مطلع القرن العشرين كان العالم يتحدث عن جرائم البلجيك في الكنغو وتصور وسائل الاعلام الملك ليوبولد جالسا على كنز من الجماجم لكن احدا لم يعط الامر اعتبارا ولم يحقق في تلك الجرائم.
عن الجارديان