ربما كانت عملية الهجوم الإسرائيلية على شرعية الرئيس الفلسطيني المنتخب في حاجة إلى هجوم مضاد من نفس النوع. ذلك أن كون شارون رئيساً منتخباً لوزراء اسرائيل لا يعني بأي حال من الأحوال إعفاءه من المسئولية عن إزكاء تيارات التطرف والتوسع والعدوان في اسرائيل. من هنا جاء الهجوم الصريح والمباشر الذي شنه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في حضور الرئيس الأمريكي على شارون ليمثل من وجهة النظر السياسية إجراء عربياً حازماً نتمنى أن يزداد تصاعداً وحدة خاصة في اللقاءات السياسية مع الزعماء الأوروبيين والأمريكيين لإظهار بطلان سياسة الكيل بمكيالين في الشرق الأوسط.
ولقد أبدت الصحافة الإسرائيلية انزعاجاً شديداً من هذا الهجوم العربي وراحت تتبع تفاصيله التي لم يعلن عنها أحد خاصة ان عبارات الوزير السعودي جاءت في غرفة مغلقة ضمت الرئيس الأمريكي ووزراء خارجية مصر والأردن خلال مهمتهم الموسعة في نيويورك وواشنطن مع اللجنة الرباعية الدولية من ناحية ومع المسئولين في الإدارة الأمريكية من ناحية ثانية.
ولكي نكون على بينة من طبيعة هذا الهجوم العربي فإننا ننقل بالنص ما نشرته صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية عن الموضوع في عددها الصادر بتاريخ 29/7/2002. تقول الصحيفة تحت عنوان "وزير الخارجية السعودي ينتقد شارون بشدة" انتقد وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل رئيس الحكومة الإسرائيلية واعتبر أن بقاءه في الحكم في اسرائيل سينتهي إلى حدوث مأساة في الشرق الأوسط. وقال الفيصل في ختام اجتماع وزراء الخارجية العرب بالرئيس الأمريكي جورج بوش: إن نظام حكم شارون يجب أن يستبدل بحكم الإسرائيليين الذين يرغبون في السلام.
وأضاف انه اذا كان الإسرائيليون معنيون فعلاً بتحقيق السلام فسوف يحققون الامن أيضا، وقال الفيصل إن شارون شخص يعتبر العربي الطيب هو العربي الميت وان اسرائيل محاطة بأعداء ويجب تحصينها. وفي رأي شارون أن العربي عندما يقول انه يريد السلام فانه ـ أي العربي ـ يقصد انه يريد إلقاء اسرائيل في البحر. وهذا فهم من شارون يدل على موقفه واضاف الفيصل: انه مازال يعيش في الخمسينات والستينات لكنه مع الأسف الشديد هو الذي يحدد للإسرائيليين مستقبلهم في هذا العقد أيضاً.
إلى هنا ينتهي ما أوردته الصحيفة الإسرائيلية على لسان وزير الخارجية السعودي استناداً إلى مصادرها الخاصة وهي على الأغلب مصادر أمريكية. إن العبارات التي أطلقها الوزير العربي في آذان الرئيس بوش مباشرة تأتي معبرة بأصدق درجة عن الفهم الشامل لدى كافة الساسة والمثقفين العرب لطبيعة شارون العدوانية ولسياساته القائمة على تغطية أطماعه التوسعية بشعارات الامن ولدوره في اذكاء نزعات التطرف الإسرائيلي وطمس اتجاهات الاعتدال أو الاستعداد للتفاهم بين الإسرائيليين.
وفي الحقيقة فان الرئيس مبارك قد أكد عدة مرات امام الميكروفونات منذ وصول شارون إلى الحكم انه يشك في إمكانية تحقيق أي تقدم في عملية السلام مع وجود شخصية مثل شارون على رأس السلطة في اسرائيل. معنى هذا أن هناك توافقاً في الرؤية المصرية السعودية حول طبيعة الرجل ودوره وأثره الهدام على الحاضر والمستقبل على حد سواء. وهذا التفاهم بين القاهرة والرياض تحديداً حول ضرورة إزاحة شارون عن الحكم هو في الحقيقة جزء من التفاهم الاستراتيجي العام بين العاصمتين. وبما أن البلدين يقومان معاً في المرحلة الراهنة بدور سياسي متناغم ومعبر عن آمال الأمة العربية في الساحة السياسية الأمريكية بما لهما من ثقل شامل معروف الأبعاد فإننا نتوقع أن يتواصل الجهد المشترك لإقرار موقف أمريكي يتفهم خطورة شارون في النهاية ليس فقط على استقرار المنطقة وأمنها بل وعلى المصالح الحيوية الأمريكية فيها بالدرجة الأولى.
لقد جاءت عبارات الفيصل لتقدم صورة تحليلية لشخصية شارون على نحو واضح في آذان الرئيس الأمريكي، فعندما يقول الفيصل إن شارون يعتبر أن العربي الطيب هو العربي الميت فان الدلالة التي لا بد أنها ارتسمت في ذهن الرئيس بوش تتصل ببطلان ادعاءات شارون انه رجل محب للسلام وانه باحث عن أمن اسرائيل ليس إلا.
ولا شك في أن مثل هذه العبارة التشريحية الموجزة كانت صاحبة اثر على ذلك التحول الذي لمسناه في تصريحات وزير الخارجية باول في أعقاب اللقاء وفي تصريحات بوش نفسه حول أن الامن هو مطلب للفلسطينيين كما هو مطلب للإسرائيليين أيضاً.
إن الجهد العربي الدبلوماسي الموحد في الساحة الأمريكية يمكنه أن يحرز مزيداً من تبديل إدراك الإدارة ويستطيع أن يعدل الكثير من المفاهيم المغلوطة التي استطاع شارون أن يشحن بها عقل الرئيس الأمريكي ومستشاريه. ومع ذلك فان علينا أن ننتبه إلى ضرورة تطويق المحاولات الإسرائيلية التي ستجرى لتحييد اثر هذا الهجوم العربي على عقل الإدارة الأمريكية.
فلقد اظهر قلق الصحافة الإسرائيلية من هذا الهجوم مؤشرات واضحة على أن الساسة الإسرائيليين سيبذلون أقصى ما في قدرتهم لإعادة الصورة الزائفة عن شارون إلى مكانها في عقل الرئيس الأمريكي. وهو ما يعني أن الجهد العربي يجب أن يكون متواصلاً في هذا الاتجاه.