تحولت محاكمة مروان البرغوثى أمين سر حركة فتح أمس الأول إلى أزمة لإسرائيل بعد أن استطاع جذب انتباه العالم وهتف وسط إعجاب الحضور بعدة لغات "الانتفاضة مستمرة وسينتصر الشعب الفلسطيني على الاحتلال وسيذهب المغتصبون بلا رجعة".
فقد وصل مروان البرغوثي الى قاعة المحكمة المركزية الإسرائيلية في مدينة تل أبيب موثوق اليدين، مرتديا بزة السجن بنية اللون وتحدى بروح معنوية عالية رجال الأمن ملوحا بيديه المكبلتين صارخا "الانتفاضة ستنتصر وتحية لشعبنا الفلسطيني الصامد".
ووقف مروان البرغوثي مخاطبا الصحافيين بصوت عال كأنه أمام أنصاره في رام الله المحتلة "نحن نناضل من اجل الحرية والاستقلال ولن تكسر إرادتنا، لقد أعلنوا عن خطة السور الواقي منذ خمسة شهور ولم يتمكنوا من هزيمة او تحطيم معنويات شعبنا البطل".
وقام رجال الشرطة بإخراجه من القاعة وإعادته الى سجن المحكمة بعد أن فقد رجال الشرطة السيطرة على الصحافيين الذين حولهم البرغوثي الى جمهور يستمع الى خطابه.
واحتشد عدد كبير من رجال الأمن الإسرائيليين داخل القاعة وخارجها، وكانوا قد قاموا بتفتيش الصحافيين تفتيشا دقيقا عبر اجهزة متطورة.
وقال المحامي جواد بولس للصحافيين "لقد كسرت اسرائيل كل الخطوط الحمراء ولن نجعل هذه المحكمة عادية، فخطورة محاكمة مروان هي بانها تقدم الشرعية الفلسطينية والمجلس التشريعي الى المحاكمة وتتهمهما بما تتهم مروان البرغوثي".
وعند انعقاد الجلسة كان البرغوثي يتكلم مع القاضي بدون تكليف، وقد خاطبه القاضي والمدعية العامة باحترام.
وطلب المحامي جواد بولس من القاضي الحصول على نسخ من اثباتات النيابة والاعلان عن ان المحكمة لا تملك صلاحية لمحاكمة مروان البرغوثي حسب الاتفاقات المنعقدة بين الفلسطينيين والاسرائيليين وحسب القانون الدولي.
ولخصت المدعية العامة تهمها بان البرغوثي "مسؤول عن عمليات ولقد تم العثور على وثائق في مكتبه ووثائق في مكاتب قادة آخرين".
وقال البرغوثي وهو جالس على مقعده للقاضي "لقد جهزت لائحة اتهام ضد الاحتلال وحكومة إسرائيل مكونة من خمسين بندا أريد أن أتلوها"، فرد عليه القاضي قائلا "هذا غير ممكن الآن".
وتابع البرغوثي بتصميم متسائلا "متى إذن وأين ؟" فرد عليه القاضي بأدب "عندما يحين الوقت".
وتعتبر إسرائيل أن البرغوثي (43 عاما) كان القائد الفعلي لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح وتتهمه ب"الوقوف وراء سلسلة عمليات دامية ضد إسرائيليين وبارتكاب جرائم والانتماء الى منظمة معادية وحيازة أسلحة ومتفجرات والمشاركة في مخططات لارتكاب جرائم".
وحضر الجلسة أعضاء كنيست عرب ولم يسمح رجال الأمن الإسرائيلي لعضوي المجلس التشريعي عن مدينة القدس احمد البطش واحمد الزغير من الدخول الى القاعة.
وقال احمد البطش "جئنا للتضامن مع المناضل مروان البرغوثي ونيابة عن المجلس التشريعي لأننا نعتبر أن هذه المحاكمة هي محاكمة سياسية هدفها المس بالسلطة وقيادتها ورموزها وتهمة البرغوثي انه احب السلام ودافع عن عملية السلام".
وأضاف البطش "ان الهدف من تقديمه الى محكمة مدنية هو محاولة النيل منه كمناضل وتقديمه على انه قاتل والذي يجب أن يحاكم هو من قام بارتكاب المجازر في غزة وجنين ونابلس والآلة العسكرية الإسرائيلية وليس مروان".
وكان المستشار القضائي للحكومة ونائب عام الدولة الياكيم روبنشتاين أعلن في 11 يوليو ان محاكمة مروان البرغوثي وأربعة آخرين من "القادة الإرهابيين" ستتم أمام محكمة مدنية وليس عسكرية.
وعلى الجانب الآخر يخشى الإسرائيليون أن تتحول محاكمة البرغوثي الى محاكمة للاحتلال الإسرائيلي نفسه للأراضي الفلسطينية.
وقد قررت إسرائيل محاكمة البرغوثي أمام محكمة مدنية وليس عسكرية ورفضت معاملته بوصفه "معتقلا سياسيا" كما طالب.
ومع ذلك يقول داني روبنشتاين، الخبير في الشؤون الفلسطينية في صحيفة "هآرتس" (يسار)، "هذه المحاكمة هي محاكمة سياسية بالدرجة الأولى".
ويضيف أن "هذه المحاكمة ستعطي بعدا إضافيا للانتفاضة، بعدا قانونيا. فعلى الصعيد العسكري فان إسرائيل هي الأقوى بلا منازع وبما لا يقاس. أما على الصعيد الدبلوماسي فهناك نوع من التوازن بين الولايات المتحدة التي تدعمنا من جهة، وأوروبا والدول الأخرى المؤيدة في اغلبها للفلسطينيين من جهة ثانية. والغلبة هنا ليست لإسرائيل انطلاقا من هذا البعد الجديد".
وتابع أن المحاكمة تشكل "خطأ كبيرا من جانب إسرائيل لأنها ستجعلها محط أنظار العالم اجمع. ستنزع عنها مصداقيتها".
ويضيف "عوضا عن محاكمته، كان الأحرى بإسرائيل أن تتفاوض معه وتعامله بوصفه زعيما جديدا للفلسطينيين بدلا من ياسر عرفات".
وفي افتتاحيتها الثلاثاء، حذرت "هآرتس" من أن ينقلب "التكتيك" المتمثل في محاكمة البرغوثي "على إسرائيل بان تجعل منه رمزا للمقاومة وتزيد من شعبيته الكبيرة أصلا بين الفلسطينيين".
وكان خضر شقيرات، أحد محامي البرغوثي، شجب المحاكمة التي اعتبر أن "هدفها تجريد النضال الوطني (الفلسطيني) من شرعيته ومحاكمة ياسر عرفات بصورة غير مباشرة عن طريق البرغوثي".
وقال شقيرات "لكن المحاكمة ستكون بالنسبة لنا مناسبة لنروي للعالم اجمع معاناة وآلام الشعب الفلسطيني".