كنت على موعد مع مسئول، ولطالما ترددت على هذا المكتب منذ سنوات بحكم ارتباط أعمالنا.. قام الرجل الفاضل من كرسيه، وصار الكرسي في مواجهتي فارغا.. نظرت وغرقت في التأمل معه..
تعاقب على هذا الكرسي منذ بدأت أتردد على هذا المكتب منذ عدة سنوات ثلاثة مسئولين، ارتبطت بهم وعرفتهم وتصادقت معهم ذهب الاثنان الأوليان والآن مسئول ثالث. هم يروحون والكرسي باق.. الغريب أن الارتباط مع هذا الكرسي الباقي رغم كل حركات التغيير الاداري لم يتم أبدا وهو الباقي دوما يستقبل مديرا إلى أن يأتي مدير آخر، وهو يستقبل، ولا يودع.. فكأن الأمر لا يعنيه إلا عندما يستوي عليه أحد..
يبقى إذا أن لا ينسى المسئول ذلك، فالكرسي فقط يستقبل، ولا يهمه أن يشارك في التوديع لأنه دائما في حالة استقبال أو ضيافة.. متى ما نسي المسئول هذه الحقيقة الحتمية فسينساه الكرسي، وسيكون الناس قد نسوه قبل ذلك.. أولئك الذين يتبخترون على الكراسي إنما هم ضعاف الادراك وتصيبهم حالة كوما اغمائية تفصلهم عن الواقع.. عندما يصحون على الواقع، يكون الواقع قد أغفلهم ونسيهم أثناء اغماءتهم المؤقتة..
عندنا أحمد العلي، رغم ما تربطني به من معرفةشخصية فلم أزره أبدا في مكتبه ولم أر كيف يدير أعماله وهذا شأن عملي لا شأن لي به. الذي كان يلفتني في الدكتور أحمد أن بسمته الصافية البسيطة لم تغب يوما عن محياه، ولم يغف أبدا عن واقعه..
وأعرف أنه لم يترك يوما ارتباطا دوريا بأصدقائه الذين يعرفهم قبل المنصب، وبقوا له وبقي لهم بعد المنصب.. الدكتور أحمد يغادر من مكان الى مكان بذات البسمة الصافية.. لم يهتم يوما بالكرسي الذي جلس عليه.. لذا فإن القلوب التي عرفته لن تسحب منه الكرسي أبدا..