في صباح 11 سبتمبر/ايلول 2001، اغرقت طائرتان مخطوفتان في سماء مانهاتن، نيويورك والولايات المتحدة والعالم في صراع لم تنته انعكاساته حتى اليوم.
- الساعة 8:46 طائرة من طراز بوينغ 767 تابعة لشركة "اميركان ايرلاينز" خطفت بعيد اقلاعها من بوسطن ويوجهها الخاطفون لتصطدم بالبرج الشمالي لمركز التجارة العالمي، 19 طبقة اسفل من قمة البرج.
- بعد ثماني عشرة دقيقة، وفيما كانت تدور تساؤلات حول ظروف الحادث الذي بدا للحظة الاولى انه مجرد حادث طيران، اصطدمت طائرة الرحلة 175 التابعة لشركة "يونايتد ايرلاينز" والتي انطلقت هي الاخرى من مطار بوسطن، بالبرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي، 33 طبقة اسفل من القمة. لم يعد هناك اي شك بان الامر يتعلق بهجوم على الولايات المتحدة. وتسمرت عيون الناس الى شاشات التلفزيون. وبات معلوما اليوم استنادا الى تحقيق اجرته صحيفة "نيويورك تايمز" ان حوالي 1100 شخص كانوا محتجزين في الطبقات العليا عاشوا ساعات احتضار رهيبة. وتمكن 18 شخصا منهم فقط وسط الهلع، من الوصول الى السلم الوحيد الخالي من الركام للنزول منه وانقاذ حياتهم. وصعد البعض الى السطوح لانتظار المروحيات التي لم تتمكن بسبب الحرارة والدخان من الاقتراب. فيما قفز غيرهم في الهواء للهروب من الاختناق. في بضع دقائق، اندفع كل رجال الاطفاء في نيويورك الى جنوب جزيرة مانهاتن. كان حجم الكارثة يتخطاهم، وبالتالي عجزوا عن تنظيم عمليات اغاثة بمستوى الحدث، فعمدوا الى تطبيق آلية الاطفاء التي تطبق في حال حصول حريق في ناطحة سحاب. اندفعوا وهم يحملون خراطيمهم على ظهورهم، في طبقات البرجين والتقوا على السلالم بآلاف الاشخاص المذعورين. وعند سماعهم ذاك الصوت المدوي لم يدرك الكثيرون من رجال الاطفاء انه عائد لانهيار البرج الثاني، ولم يسمعوا بسبب الاعطال في اجهزة اللاسلكي الاوامر باخلاء البرج. فمات 343 اطفائيا تحت الركام. وفي وقت كانت فيه سحابة من الدخان والغبار تلف مانهاتن، بدت الحصيلة الاولى للضحايا مروعة، اذ ذكر ان هناك اكثر من ستة آلاف قتيل ومفقود. وتطلب الامر اشهرا من البحث والتحقيق للوصول الى تقدير عدد القتلى بـ 2819. الا ان هذا الرقم لن يكون ابدا رقما نهائيا. اذ كان عشرات المشردين يتخذون من البرجين مقرا لهم وقد اختفى بعضهم منذ ذلك الوقت من دون ان يتركوا أي اثر. ووسط ساعات الرعب تلك، ظهر رئيس بلدية نيويورك رودولف جولياني من وسط الدخان والغبار لاعطاء تعليماته الاولى. وامر جولياني الذي حظي بلقب "رئيس بلدية امريكا" في ذلك اليوم باخلاء كل جنوب جزيرة مانهاتن في حركة نزوح لم يسبق لها مثيل في تاريخ المدينة. وتحول البرجان، المؤلفان من 110 طبقات لكل منهما واللذان كانا رمزا ساطعا لسنوات السبعينات، الى جبل مخيف من الركام يتصاعد منه الدخان ويصل ارتفاعه الى حوالي عشر طبقات. وبدأ على الفور تدفق آلاف المتطوعين (مسعفون، رجال اطفاء، شرطيون، عمال معادن) من كل انحاء المدينة والولاية وابعد من ذلك. في الساعات الاولى كان من الصعب تنظيم عمليات الاغاثة اذ تجاوز حجم الكارثة التصور. فكيف السبيل الى البدء بتلك الورشة التي تشتعل فيها نيران لن يتم التمكن من اخمادها الا بعد اسابيع طويلة؟.
وبلغت تقديرات اعداد المفقودين حدا دفع الجميع الى توقع انقاذ عشرات لا بل مئات الجرحى ونقلهم الى مستشفيات المدينة. فاستدعي الاطباء، ووقف سكان نيويورك بالصف للتبرع بدمائهم، وبدأت العائلات تتجمع. انما في ذلك اليوم وفي الايام التي تلت لم يتم اجلاء سوى الجثث والاشلاء. وحولت حرارة الحرائق والقوة الهائلة التي احدثتها الانهيارات آلاف الاجساد الى سوائل فيما تبخرت اجساد اخرى لم يتم العثور عليها ابدا. وبعد مرور عام على الهجمات لم يتم التعرف الا على 1370 جثة بفضل اكبر عملية تحليل للحمض الريبي النووي في التاريخ الامريكي وهي عملية لم تنته حتى اليوم. عند هبوط الليل وفي الوقت الذي كانت تقام فيه سهرات على اضواء الشموع في حدائق نيويورك العامة حدادا على ارواح الضحايا، اضيء المكان الذي اطلق عليه فيما بعد اسم "غراوند زيرو" بالمولدات الكهربائية. وبدأت اعمال الانقاذ وازالة الركام التي استمرت اكثر من ثمانية اشهر.