في أعقاب أحداث 11 أيلول/سبتمبر من العام الماضي، جلس الرئيس الأميركي جورج بوش في غرفة مؤتمرات في البنتاجون على مسافة لا تبعد كثيرا عن الفجوة التي أحدثتها الطائرة المخطوفة الرحلة 77 لخطوط أميركان إيرلاينز في مبنى وزارة الدفاع (البنتاجون)، كجرح أصاب رمز القدرة العسكرية الأميركية. وقال بوش عبارة تنذر بنبرة حربه على الارهاب.. عندما أكد أسامة بن لادن، مطلوب حيا أو ميتا. كان الرئيس بوش يحاول خلال الأشهر الثمانية الأولى من رئاسته أن يغير صورته داخل وخارج البلاد بأنه رئيس من رعاة البقر يتوق إلى إطلاق النار من مسدسه الموضوع على جانبه فيتساقط الضحايا حيث هم.
ولكن عندما تحدث بالعامية بلهجة الغرب القديم الاميركي الذي لم يكن هناك قانون يحكمه، مس الرئيس بوش وترا حساسا في نفوس الاميركيين.
وكان هذا الوعيد على درجة أيضا من الخطورة، بما أن العجز عن الاتيان بأسامة بن لادن أو بجثته من شأنه أن يشوه أي إنجازات أميركية أخرى في الحرب ضد الارهاب.
وقد وبخت السيدة الاولى لورا بوش زوجها على استعراض العضلات هذا فسألته بلهجة رعاة البقر والان بوشي، تعتقد أنك ستأتي به؟. وتناقلت كل وسائل الاعلام هذا التعليق. وبعد مرور عام، لا يزال أسامة بن لادن مختفيا عن الانظار، واعترف المسئولون الاميركيون مكرهين بأنه أفلت منهم وأنه يختبئ على الارجح في المناطق الخارجة على القانون على امتداد الحدود بين أفغانستان وباكستان.
وظل المسئولون الاميركيون يواجهون لمدة أشهر هذا السؤال الملح من المراسلين أين أسامة بن لادن؟، وبخاصة بعد شريط الفيديو الاخير الذي ظهر فيه بن لادن والذي يعتقد أنه تم تصويره في كانون الاول/ديسمبر الماضي.
وانطلقت الشائعات أكثر مما انطلقت القنابل المحددة الهدف نحو مخابئ تنظيم القاعدة. قال الرئيس الباكستاني برفيز مشرف أن بن لادن مات متأثرا بفشل كلوي ولم يقدم دليلا على ذلك. وأفادت شائعة أخرى أنه جرح في تورا بورا شرقي أفغانستان وأنه يتعافى ببطء في مكان ما شمال غربي باكستان. وقيل أيضا أنه هرب إلى اليمن. وتوعد المتحدث باسمه في حزيران /يونيو/ الماضي بأن العالم سيسمع من جديد صوت زعيم القاعدة، مما أثار مخاوف من شن هجمات إرهابية أخرى.
وحاول المسئولون الاميركيون مداراة خيبة أملهم وهذه الحالة من الغموض فشددوا على أن جهود مكافحة الارهاب لا تتعلق برجل واحد. وأشاروا إلى أن أكثر من 160 دولة تعاونت بتجميد أرصدة تزيد على 112 مليون دولار خصصت لتمويل الارهابيين، وإلى التعاون الدولي الواسع بين هيئات الشرطة والمباحث لمحاصرة المشتبه في كونهم من عناصر تنظيم القاعدة، وهناك أيضا تحرير أفغانستان وهزيمة طالبان. إلا أن العجز عن الامساك ببن لادن أو قتله عرّض الرئيس بوش للانتقاد بشأن مسلكه في الحرب. فقال السناتور الديمقراطي جون كيري أحد المنافسين المحتملين في انتخابات الرئاسة عام 2004 أن الاحجام الاميركي والاعتماد على قوات أفغانية في كانون الاول/ديسمبر الماضي أتاحا لبن لادن فرصة الهروب من معركة تورا بورا. وفجأة عبّر المسئول الرئيسي عن مكافحة الارهاب في مكتب التحقيقات الفدرالية (إف.بي.آي) عن اعتقاده أن أسامة بن لادن مات، وأشارت أنباء صحفية كثيرة إلى نفس الاعتقاد لدى جهات مخابرات أخرى.
وفي غياب أي دليل على وفاة بن لادن، استمر المسئولون الاميركيون على ما يتظاهرون به من لامبالاة بذلك والاعراب عن اعتقادهم أنه حي في مكان ما. ويملي الحذر افتراض أن بن لادن يخطط لهجمات جديدة أو أنه سيظهر من جديد على شريط فيديو في توقيت يكون له أكبر الاثر على معنويات العالم، وربما يكون ذلك في ذكرى مرور عام على هجمات 11 أيلول/سبتمبر أو حول هذا الموعد.
وقد وجه للرئيس الاميركي السؤال من جديد في حزيران/يونيو الماضي أين بن لادن؟. واعترف الرئيس للمراسلين بأنه لا يعرف على وجه التأكيد. وقال إذا كان حيا سنأتي به. وإذا كان ميتا نكون قد أتينا به فعلا.
وعلى كل حال سيكون من الصعب إعلان الانتصار في الحرب دون معرفة شيء عن مصير بن لادن.