التعليم الأهلي يطرح معادلة من الصعب جدا أن تتحقق فمقابل رغبة الأهالي بتوفير مستوى تعليمي وتربوي أفضل هناك رغبة التجار بتحصيل أعلى مستوى للأرباح من خلال تلك العملية. ففي السنوات الأخيرة اعتمد العديد من المستثمرين على تجارة التعليم وعلى ذلك انتشر ما يسمى ثورة التعليم الأهلي فما العوامل التي ساعدت على هذا الانتشار الهائل لتلك المدارس الأهلية والتعامل معها مع غض النظر عن مدى ملاءمتها لما يقدمه الأهالي من رسوم مالية لا يرون معها ما يقدم لأبنائهم من الخدمات اللائقة والامتيازات من المدارس الحكومية بل على العكس نجد أن معظم تلك المدارس لا تحظى ولو بالقليل مما تمتاز به بعض المدارس الحكومية النموذجية.
لماذا المدارس الأهلية
يبرر معظم الأهالي الذين ينتسب ابناؤهم للمدارس الأهلية برغبتهم بأن يحصل أبناؤهم على فرصة تعلم اللغة الإنجليزية كدافع أول في الوقت الذي يرغبون أيضا بأن يحظى أبناؤهم بالحصول على قدر أكبر من الاهتمام من المعلمين من خلال الانتماء لفصول دراسية قليلة العدد وهذا لا يتوافر إلا بالمدارس الأهلية, كما يرغب البعض منهم توفير جو ملائم دراسي أفضل من خلال المباني المجهزة بشكل يوفر الراحة لأبنائهم. فهل هذه حقيقة دوافع الأهالي والتي ساهمت بانتشار تلك المدارس الأهلية التربوية الأهداف والتجارية المضمون.
مواجهة الواقع
ومع التبريرات المنطقية لدوافع الأهالي لتسجيل أبنائهم في المدارس الأهلية إلا أن الواقع والتطبيق مختلف جدا فمثلا في المنطقة الشرقية هناك ما يقارب 600 مدرسة أهلية لا يتوافر في معظمها مميزات تذكر سوى تقديمها لتعليم اللغة الإنجليزية مع عدم مراعاة الحرص في إيجاد طرق تعليمية تضمن إيصال هذه اللغة للطلبة الصغار أما باقي المميزات والخدمات المرغوبة من الأهالي فغير متوافرة إلا في عدد بسيط جدا من تلك المدارس ويمكن حصرها في أقل من خمس مدارس فقط في المنطقة الشرقية والبقية منهم يعتمدون مثلا على المباني القديمة ومعظمها من المنازل بحيث لا تتوافر فيها المساحات المرغوبة في المدارس كذلك لايتم فيها تأمين ما يضمن تميزها عن المدارس الحكومية مثل المكيفات المركزية أو إعدادها لتوفير الراحة لطلابها, وعلى ذلك لا يتوفر بمعظمها سوى اللغة الإنجليزية هذا بالنسبة لطلاب المرحلة الابتدائية الأهلية فماذا عن المراحل المتوسطة والثانوية حيث تتساوى فيها فرصة الحصول على تعليم اللغة الإنجليزية وبنفس المناهج مع المدارس الحكومية وهنا ترجح كفة المدارس الحكومية مع توافر المباني المدرسية الملائمة بشكل أكبر وتوافر الهيئة التدريسية والإدارية ذات الخبرات المضمونة. ومن هنا يمكن مواجهة واقع الدوافع الكامنة للكثير من الأهالي الذين يرضون بالمدارس الأهلية دون التحري من دقة التفاصيل فيما تقدمه من خدمات بأنها دوافع اجتماعية فقط تسعى للتمييز من خلال دفع رسوم لتعليم أبنائهم فقط.
رغبة في التميز
السيدة / أمل التويجري/ أم لبنتين وولد:
التزمت بتعليم أبنائي في المدارس الخاصة وذلك رغبة مني بتحصيل بعض المميزات عن المدارس الحكومية وللأسف أنا مضطرة لمدرسة أهلية معينة لقربها من المنزل ولكنها تعتبر سيئة بكافة المقاييس فالمبنى غير مناسب كونه مبنى منزل قديم كذلك طريقة تعليمهم للغة الإنجليزية والتي كانت السبب الرئيسي لإصراري على إدخالهم لمدرسة أهلية لم تكن بالطريقة التعليمية المناسبة فلم ألاحظ تميزهم باللغة الإنجليزية ولو أني اعتمدت على الخادمة لمحادثتهم باللغة الإنجليزية لكان أفضل.
* السيدة / نادية الدوسري/ أم لولد واحد:
كنت مصرة على إدخال ابني مدرسة خاصة ليتمكن من الحصول على القدرة للتحدث باللغة الإنجليزية بعد أن عانيت كثيرا من عدم قدرتي على تعلمها كوني تعلمتها في سن كبيرة بعد الابتدائية ولكن للأسف تلك المدارس الخاصة لا تلتزم بتوفير الطرق أو المناهج الخاصة المميزة لتعليم تلك اللغة لهؤلاء الصغار خاصة أن هذا العمر هو الأنسب لهم لتعلم لغة ثانية مهما كانت لذلك غيرت مدرسة ابني ثلاث مرات حتى وجدت المدرسة المناسبة وكان لذلك التأثير السيئ على ابني حيث يغير كل عام المدرسة والأصدقاء مما أثر في شخصيته كثيرا فلابد أن يتابع المسئولون أهمية توافر طرق تعليم متميزة في المدارس الخاصة فكافة الأهالي لا يضطرون لها إلا من أجل توافر تعليم اللغة الإنجليزية.
* السيد / صالح البشر/ أب لثلاثة بنات:
أنا أرى أن المدارس الأهلية هاجس للنساء فقط فهناك الكثير من المدارس الحكومية النموذجية الآن وفي نفس الوقت لا نستطيع مقارنة الهيئات التدريسية والإدارية وخبراتهم في المدارس الحكومية مع المدارس الأهلية إلا أن النساء يأخذون ذلك من منظور خاص كما هو الحال مع زوجتي حيث تصر على دخول بناتنا مدارس خاصة لمجرد ألا يكن أقل من غيرهن من البنات والأولاد الآخرين من معارفنا وهذا منطق غريب غير منطقي ومع ذلك أرضخ لإصرارها وكي لا أشعر بتقصيري بحق بناتي في حال لو كان ما تصر عليه والدتهم صحيحا.
* السيد/ بدر النعيمي:
من منطلق حبي لأبنائي فأنا أصر على تقديم الأفضل لهم من كافة النواحي ويأتي التعليم في المقدمة فاختيار الجو التعليمي المناسب والمتميز كان أهم الأسس التي اختار بها المدرسة المناسبة لأبنائي ولكن تكمن المشكلة في أصحاب تلك المدارس حيث يهتمون أحيانا بالسطحيات أكثر من الأساسيات مثل طريقة التسجيل والقبول وفي النهاية نعرف جميعا أن الهدف تجاري لهم ولا تحتاج تلك الشكليات والمماطلة لإعطاء صورة أفضل عن المدرسة ولكنها بالعكس تسيء للإدارة وطريقة التنظيم أكثر مما تفيدها تجاريا كما يرغبون. كذلك هناك نقص كبير في العديد من المدارس الأهلية في تقديم الخدمات خاصة المباني غير المناسبة.
* السيدة/ نوره:
استأت كثيرا في أول يوم دراسي لابنتي في الصف الأول والتي حرصت على تسجيلها في مدرسة لتحصيل التميز ولكن للأسف لم أجد إلا المستوى الذي أعده لم يختلف عن مستوى ما وجدته أنا خلال تعليمي الابتدائي قبل أكثر من خمسة وعشرين عام فالصف مزدحم وأجهزة التكييف غير جيدة, ولكوني معلمة فأنا على علم بمستوى التعليم الابتدائي في المدارس الحكومية وعلى ذلك وجدت أن أدفع رسوما من أجل تحصيل تعليم أقل من المستوى ما عدا تحصيل اللغة الإنجليزية لذلك أعتقد أنه مع دخول منهج اللغة الإنجليزية إن شاء الله في الأعوام القادمة لطلاب المرحلة الابتدائية فإن المدارس الأهلية ستفقد الكثير من طلابها فعليهم الحذر وتقديم المفاضلة في الخدمات التي تضمن لهم بقاء هؤلاء الطلاب.
رسوم غير مستقرة الرسوم المالية للدراسة في المدارس الأهلية لا يحكمها عرف ولا قانون فالمدارس الأهلية تابعة لقانون العرض والطلب لذلك يعتمد الكثير من إدارات تلك المدارس على مدى إقبال أهالي المنطقة على الدراسة وعلى ذلك كثيرا ما تكون الرسوم أعلى من الخدمات المقدمة أما المدارس المتميزة في كافة النواحي وهي قليلة جدا ومع الشكر للقائمين عليها على ما يقدمونه من تميز إلا أن رسومها أيضا لا يحكمها حاكم والاعتماد على ضمير القائمين عليها مع ملاحظة أنه يحق لهم مع تلك الخدمات أن يطالبوا برسوم أكبر من غيرهم إلا انه لابد من تحديد قائمة بالرسوم المدرسية من قبل إدارة تعليم البنات أو من قبل الهيئة التجارية التي يتبعونها بحيث تحدد الرسوم على أساس حجم المدرسة وإمكانياتها.
فصول مزدحمة
يسعى الأهالي لتوفير الجو المناسب لأبنائهم في تلك المدارس التي دفعوا لها الكثير والأهم هو تسليط الضوء والانتباه لأبنائهم خلال طرح المواضيع الدراسية في الفصول وماذا يكون أفضل من فصل محدود العدد لتحقيق تلك الفكرة. ولكن هناك الغالبية من المدارس الأهلية لا تعير تلك النقطة الاهتمام بقدر اهتمامها بتسجيل أكبر عدد من الطلاب وبالتالي تمتلئ الفصول بالطلاب والطالبات وبذلك فقدت المدارس الأهلية أهم مميزاتها التي من أجلها سعى الكثيرون إليها.
الغرفة التجارية والتعليم الأهلي
حول هذا الموضوع أشار السيد عبد اللطيف البنيان مدير إدارة اللجان بغرفة تجارة وصناعة المنطقة الشرقية بقوله أنه في عام 1415هـ شكلت غرفة تجارة وصناعة المنطقة الشرقية لجنة مختصة تعنى بشئون التعليم الأهلي الخاص وكانت تلك الخطوة تعد مبادرة من الغرفة التجارية للرقي بمستوى التعليم الخاص التجاري إيمانا منها بالحركة التعليمية ولتحقيق دفعة قوية لمستوى التعليم الأهلي, وقد بادرت غرفة الشرقية بتشكيل هذه اللجنة دونا عن غيرها من المناطق الأخرى وبذلك حققت الأسبقية من حيث اهتمامها بالتعليم في المنطقة. وتهتم هذه اللجنة بالتعامل مع المدارس الخاصة على أساس كونها منشأة تجارية فنقوم بتسهيل كافة احتياجاتها من حيث التعامل مع القضايا الخاصة بها سواء كانت اقتصادية أو تقديم المعلومات التجارية والتعاملية بكافة أنواعها كذلك تسهيل التعامل بينها وبين كافة القطاعات مثل الجوازات وصندوق تنمية الموارد وغير ذلك كل ذلك بقصد تسهيل كافة الأمور لهذا القطاع التجاري التربوي ليتسنى لهم بالتالي تقديم تلك الخدمة بالشكل المرغوب به للمنطقة وأبنائها. كما تقوم اللجنة بالنظر لتطوير العملية التعليمية كهدف أساسي وعلى ذلك تسعى اللجنة لعقد الاجتماعات والدورات لأصحاب تلك المؤسسات التربوية لتبادل الخبرات ونقل كل ما هو جديد لفائدة التعليم لهؤلاء المسئولين عن تلك المؤسسات. أما ما يخص كافة الأمور المباشرة من تراخيص للمدارس الأهلية وإشراف ومراقبة فإن كل ذلك من اختصاص وزارة المعارف نفسها.
تلاعب
ومع ما تحدده وزارة المعارف من قوانين صارمة لافتتاح مثل تلك المشاريع التجارية التربوية إلا أن التلاعب مازال قائما مع بعض أصحاب المدارس نفسها من حيث تقديم عطاءات تراخيص تخالف الواقع كذلك هناك الكثير من المدارس التي تبقى لسنوات تعمل في التعليم الأهلي دون استلام موافقة على إنشائها وفي نفس الوقت تعمل الوزارة مشكورة على المراقبة المستمرة لتلك المنشآت حيث قامت الوزارة مؤخرا ومع بداية العام الدراسي الجديد بإقفال مدرسة خاصة لعدم تطابق مواصفات المبنى مع ما هو مقر في لائحة المدارس الخاصة حيث لم يكن المبنى لائقا للتحصيل العلمي نظرا لصغر مساحته وبالتالي تكديس الطلاب في غرف صغيرة لا تتماشى مع عدد طلاب المدرسة كذلك عدم توافر المساحات الخارجية وقد حولت الوزارة كافة الطلاب المسجلين في تلك المدرسة إلى مدارس أهلية أخرى والذين بلغ عددهم 110 من الطلاب. ومع ذلك لابد من الإشارة إلى أنه قد يكون هناك نقائص أساسا في تحديد مستوى تلك المدارس فلابد من مراعاة أهمية توافر المبنى المقام خصيصا على أساس قيام مدرسة تتوافر فيها كافة التفاصيل والكماليات التي سعى من أجلها الأهالي لدفع تلك المبالغ لتوفير التميز والراحة لأبنائهم. وعلى ذلك لابد للوزارة من التجاوب مع رغبة الأهالي من خلال إيضاح موقفها من تلك المدارس المخالفة وإيضاح القوانين المحددة لأصحاب تلك المدارس لكي يتسنى للأهالي المطالبة بحقوق أبنائهم المدفوعة الثمن من خلال معرفتهم بتلك القوانين وتقديم الشكاوي للوزارة في حال عدم تجاوب تلك المؤسسات التربوية التجارية فالمعادلة من الصعب جدا تحقيقها.