تمهيد
تزخر بيوتات العلماء في بلاد الاحساء بالمخطوطات العلمية النادرة في شتى اصناف المعرفة كالفقه والحديث والتفسير والاصول والنحو والفلك والطب والتاريخ والادب وغيرها من الفنون التي كتب فيها علماء الاحساء تحت قباب المساجد وفي اروقة الاربطة والمدارس وفي ضوء القناديل والشموع الخافتة, وبامكانيات بدائية ووسائل بسيطة, ولكنهم رغم ذلك نقشوا في جبين التاريخ اروع ما يمكن ان يصل اليه من قيم حضارية رائدة!
الا ان هذه الكنوز الثمينة مازالت في معظمها دفينة الارفف والمكتبات الخاصة ومازالت تنتظر اليد الحانية التي تمسح عنها غبار الزمن وتخرجها الى عالم النور في حلة قشيبة, وطباعة حديثة فاخرة, مع تحقيق علمي رزين يضفي على الكتاب هالة من المصداقية والاعتبار. وهذا ما يقوم به الاستاذ الفاضل يحيى بن محمد بي ابي بكر بين الفينة والاخرى في محاولة جادة منه للتعريف بتراث اجداده, وحق له ذلك فهو العالم سليل اولئك العلماء, وهو اولى من قام بمهمة التعريف بهذا التراث الخالد, ويساعده في ذلك ثلة من الجنود المجهولين الذين التفوا حوله وشرعوا يعملون بصمت وبهمة عالية وارادة لا تعرف الوهن.
وكانت حصيلة هذه الجهود العلمية المباركة اخراج عدد من المخطوطات القيمة التي الفها بعض علماء اسرة ال ملا والقيام على خدمتها تحقيقا وتعليقا وطباعة وتوزيعا حتى يعم نفعها للجميع وتحقق الغاية التي القت من اجلها. وكان اخرها كتاب (حادي الأنام الى دار السلام) الذي نحن بصدد الحديث عنه. تعريف بمؤلف الكتاب
هو العلامة الشيخ ابو بكر بن الشيخ محمد بن عمر بن محمد بن عمر الملا الحنفي الاحسائي, ولد بحي الكوت (الاحساء) عام 1198هـ وتوفي والده وهو صغير فتربى في حجر والدته وحفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز عمره عشر سنين. وتتلمذ على جملة كبيرة من العلماء من ابرزهم عماه: الشيخ عبدالرحمن بن عمر الملا, والشيخ احمد بن عمر الملا والشيخ حسين بن محمد بن ابي بكر والشيخ عبدالله الجعفري الطيار وغيرهم.
اشتغل بالتدريس فاقبل عليه طلاب العلم من كل مكان وانتفع به خلق كثير, كما اشتغل بالتصنيف وترك لنا من المصنفات ما يربو على التسعين, منها على سبيل المثال: ارشاد القاري, هداية المحتذي, منهل الصفا, حادي الانام، خلاصة الاكتفاء, عقد اللآلي.. الخ توفي رحمه الله تعالى عام 1270هـ في مكةالمكرمة بعد قضاء مناسك الحج. تعريف بالكتاب
يتحدث الكتاب عن صفة الجنة واحوال اهلها ودرجاتها وما اعده الله فيها لاوليائه واحبائه ترغيبا للمؤمن ليزداد ايمانا وللعاصي ليعود الى جادة الصواب فيمتثل اوامر الله ويجتنب نواهيه, وعلى هذا يكون موضوعه هو الوعظ والرقائق, وقد قسمه الى عشرين بابا وخاتمة, وجعل لكل باب فصلا للشرح والايضاح, وكل باب من ابوابه يفتتحه بخطبة مناسبة للباب ثم يذكر الآيات والاحاديث والآثار المناسبة للباب ثم يوشحه بمواعظ واحيانا يزينه بأبيات من الشعر. وقد سلك المؤلف اسلوب الخطباء والوعاظ تارة, واسلوب المحدثين والفقهاء تارة اخرى بعبارات فصيحة بليغة مسجوعة. تعريق بعمل المحقق
لقد سبق طبع هذا الكتاب مرارا, ولكنه لم يلق العناية المناسبة في الطباعة والاخراج, وهذا ما جعل المحقق يقوم على خدمته ليتخذ شكله اللائق, ويمكن تلخيص عمل المحقق في النقاط التالية:
أ/ توثيق نسبة الكتاب الى المؤلف.
ب/ مقابلة النسخة المخطوطة على النسخة المطبوعة واثبات الفروق عند الحاجة.
ج / عزو الآيات القرآنية الى امكانها من السور.
د/ تخريج الاحاديث النبوية والآثار.
هـ/ تصدير الكتاب بترجمة موجزة للمؤلف.
و/ الترجمة للاعلام الوارد ذكرهم في متن الكتاب.
ز/ شرح بعض الالفاظ الغريبة في المتن.
ح/ وضع فهرس لاطراف الاحاديث الواردة في المتن وفهرس عام للموضوعات.
وقد اعتمد المحقق على نسخة بخط ابن المؤلف الشيخ عبدالله تقع في (59) ورقة قياسها (5ر16 / 5ر23) سم في الصفحة (23) سطرا, وفي السطر نحو (11) كلمة والخط نسخ معتاد. وعرض المحقق بعض صور من صفحات المخطوط في بداية الكتاب كنموذج.
وصدر الكتاب بمقدمتين: الاولى للشيخ احمد ابن عبدالله بن ابي بكر, والثانية للمحقق نفسه حيث بين فيها منهجه في التحقيق.
وقد طبع الكتاب في 365 صفحة من القطع المتوسط وتمت الطبعة الاولى في رمضان عام 1422هـ الموافق كانون اول 2001م باشراف دار النعمان بدمشق ومكتبة الامام الشافعي بالرياض.