بعدما حصل كل من الاصدقاء الثلاثة على مقدار من الذهب، احتاروا في كيفية تخزينه وحفظه، فالاول ويدعى "شدير" كان صاحب مزرعة وقد جمع ثروة من الذهب بعد سنوات طويلة من بيع المحاصيل، اما "رجاح" فهو رجل نجار، كان قد حصل على ذهبه في احد الايام التي كان فيها يحتطب، وجد كيس الذهب تحت شجرة كبيرة بعدما اقتلعها لينتفع بخشبها، اما صديقهم "موسم" هو بائع متجول لا يملك سوى تلك العربة وقليل من البضاعة، ولانه كان فقيرا جدا وأسوأ حظا من صديقيه فقد حصل على الذهب من الحاكم.
وها هو كل منهم محتار في مكان لحفظ الذهب، وبعد طول تفكير.. وفي صباح احد الايام، توجه الفلاح "شدير" الى بيوت احد الارانب في مزرعته، واستدعى اكبرهم وقال له: "انكم ايها الارانب تحفرون انفاقا وطرقا ومسالك تحت الارض، فهلا اسديتم لي خدمة؟" رد الارنب: "نحن في خدمتك اطلب ماذا تريد؟" قال "شدير": "عندي كيس مملوء بالذهب، ارجو ان تأخذه وتحفظه في احد الانفاق البعيدة التي تحفرونها حتى لا يستطيع احد ما الوصول اليه" وبالتأكيد، فعل الارنب ما طلب منه "شدير"، وسارع باخفاء كيس الذهب وهو يجري في طريقه الى ابعد نفق تحت الأرض.
اما بشأن الحطاب "رجاح" فانه فكر بان لا يستعين باحد في حفظ ماله، بل اختار موقعا مناسبا بالقرب من شجرة مترعرعة عند النهر المجاور في الغابة التي يجمع منها الحطب، وقد صنع صندوقا خشبيا ذا قفل كبير ووضع به كل الذهب وحفر له حفرة بجانب تلك الشجرة وغطاها بالتراب جيدا، وبذلك ضمن رجوعه الى الذهب عندما يحتاج اليه، وان لا احد يستطيع الوصول للذهب غيره.
ولكن ماذا بشأن "موسم" البائع المتجول؟ ها هو فكر في نفسه وعائلته، فبنى له بيتا بجزء من ذلك الذهب، واستبدل ثيابه القديمة باخرى جديدة، وابتاع عربة كبيرة، ومحلا لبيع الحاجيات في وسط القرية، والباقي وزع منه على اولاده وادخر جزءا لنفسه.
دارت الايام ودارت، و"شدير" احتاج الى نقود ذهبية ليشتري بذورا ليزرع محصول العام.. تفقد نفق الارنب الذي استأمنه على الذهب، ولكنه لم يعثر له على أثر، وبعد جهد وجد الارنب بجوار احدى الجزرات، فسأله عن مكان الذهب، فقال الارنب: ذهب؟ واي نفق؟ اننا الارانب نحفر عميقا في الارض أنفاقا ومسارات متشعبة وكثيرة واغلبها طويلة، ولا ادري كيف يمكنني الوصول الى الذهب، لقد تهت عنه ونسيت مكانه! قال هذا وذهب!!
تحسر "شدير" على ما ضاع من امواله، فكان لابد ان يجمع قدرها من جديد.
ولم يكن "رجاح" افضل من صاحبه "شدير"، فقد جاء الشتاء، وها هو بعد سنوات احتاج الى شراء فأس جديد ومنزل اكبر، ولكنه عندما جاء الى موقع الذهب تحت تلك الشجرة وحفر عندها قال انه هو، نفس الموقع، ولكن اين الذهب؟! تعجب كثيرا فهو لم ير سوى قفل من حديد.. لقد عرف ان الدود والحشرات الارضية قد نخرت صندوق الخشب وأكلته وعندها أتت عليه مياه النهر وبعثرته وحملته بعيدا.. تألم لهذا، وقرر ان يستفيد من خزائنه الثمينة اولا باول.. وحاول تعويض الذهب بعمل اكثر، وتحطيب مستمر.
واما ما كان بشأن صاحبنا "موسم" فهو عاش مرفها في منزله الجديد مع عائلته، لسنوات وسنوات.. وها هو ينتفع من بيع الاغراض في محله، ولم يقصر في يوم من الايام على اولاده، وتعلم ان يستفيد من امواله اولا باول، وانه لابد من ان توسع على غيرك حتى يوسع الله عليك.
ربوع عبدالله الذريع