انطلقت الاسبوع الماضي 29/7/1423هـ الحملة العالمية لداء السكري متزامنة مع حملة الامير سلطان بن عبدالعزيز للتثقيف الصحي، وقد بعث الاستاذ الدكتور منصور بن محمد النزهة مدير مركز الملك فهد لطب وجراحة القلب ورئيس جمعية القلب السعودية والاستاذ بجامعة الملك سعود بهذا المقال يلقي فيه المزيد من الضوء على مرض السكري كواحد من اهم عوامل الاصابة بامراض شرايين القلب.
داء السكري ينتشر في العالم بشكل وبائي اذ تقدر منظمة الصحة العالمية ان يرتفع عدد المصابين بمرض السكري من 150 مليونا في الوقت الحاضر الى 300 مليون في عام 2025 معظمهم سيكونون في الدول النامية، لكن نسبة الاصابة بمرض السكري تختلف من بلد الى آخر، فبينما تبلغ نسبة الاصابة في امريكا 9بالمائة لمن هم فوق سن العشرين وتصل الى 20 بالمائة لمن اعمارهم تزيد على 65 عاما فان نسبة الاصابة في دول الخليج العربية تصل الى اضعاف ذلك، خلال السنوات العشر الماضية اجريت عدة دراسات في دول الخليج العربية اشارت في مجملها الى ارتفاع نسبة الاصابة بمرض السكري، ففي المملكة العربية السعودية اجريت دراستان الاولى الدراسة الوطنية لمرض السكري والتي درست عينة وطنية لمن اعمارهم فوق 15 سنة ومن نتائجها ان نسبة الاصابة بداء السكري كانت 13% اما الدراسة الاخيرة فهي الدراسة الوطنية لدراسة امراض شرايين القلب في المملكة وقد اوضحت هذه الدراسة ان نسبة الاصابة لمن اعمارهم بين 30 - 70 سنة كانت 24 بالمائة وترتفع نسبة الاصابة مع ارتفاع السن لتصل الى 36بالمائة بعد سن الستين كما بلغت نسبة من هم معرضون للاصابة (مرحلة ما قبل داء السكري) 14%، وبلغت نسبة الاصابة بمرض السكري بين المرضى المصابين بامراض شرايين القلب 51 بالمائة ونسبة من هم في مرحلة ما قبل السكري 13.6بالمائة وتجدر الاشارة الى ان نسبة الاصابة بداء السكري بدول الخليج العربية متقاربة، فنسبة الاصابة بمرض السكري في البحرين بلغت 30 بالمائة كما اشارت دراسة من الكويت ان نسبة الاصابة بداء السكري بين المرضى المصابين بامراض شرايين القلب 75 بالمائة بين الكويتيين و36 بالمائة بين الوافدين وتعتبر هذه النسب عالية جدا عند مقارنتها بنسب الاصابة في الدول الغربية ففي بريطانيا بلغت نسبة الاصابة بمرض السكري بين المرضى المصابين بشرايين القلب 9بالمائة.
@ ماذا تعني هذه الارقام؟
ـ تعني ان مرض السكري ينتشر في العالم بشكل وبائي ولكن دول الخليج العربية تأتي في رأس القائمة وبنسب مرتفعة جدا، لاسباب عدة منها التغيير السريع في نمط الحياة كما انه يبدو ان هناك عوامل وراثية تتطلب منا اجراء المزيد من البحوث للوصول اليها.
@ لماذا الاهتمام بمرض السكري؟
- لاشك ان مرض السكري يؤثر سلبا على نوعية الحياة كما اشار العديد من الدراسات الى ارتفاع نسبة الوفيات بين هؤلاء المرضى وفي سن مبكرة عن اقرانهم غير المصابين بمرض السكري بعدد سنوات قد تصل الى 15 سنة. ويرجع ذلك الى الاصابة بمضاعفات مرض السكري والذي يؤدي الى الكثير من المضاعفات عن طريق التأثير السلبي على الشرايين. وهناك نوعان من الشرايين التي يؤثر عليها مرض السكري. الشرايين الصغيرة والشرايين الكبيرة. ومن آثار داء السكري على الشرايين الصغيرة اصابة الكلى وشبكية العين والاعصاب الطرفية. ويعتبر داء السكري السبب الاول للفشل الكلوي في كثير من الدول ففي الولايات المتحدة الامريكية 40 بالمائة من حالات الفشل الكلوي بسبب داء السكري، كما انه من اهم اسباب العمى والاصابة بعدم الاحساس في الاطراف من جراء اصابة الاعصاب الطرفية. اما اصابة الشرايين الكبيرة فمنها اصابة شرايين القلب التاجية عالميا، وكما اشرنا فان من 51-57 بالمائة من مرضانا المصابين بامراض شرايين القلب من دول الخليج يعانون داء السكري كما ان هناك 13.5 معرضين للاصابة وتأثير داء السكري على الشرايين السباتية (الشرايين التي تغذي الدماغ) يؤدي الى الاصابة بالسكتة الدماغية. كما ان التأثير على شرايين الاطراف يؤدي الى الاصابة بنقص التروية لهذه الاطراف وقد يؤدي الى موات (غانغرين) مما يتطلب بتر جزء من الاطراف.
@ هل يمكن الحد من الاصابة بمرض السكري؟ وهل يمكن الحد من المضاعفات للمرضى المصابين؟
- اشارت الى امكانية ذلك العديد من الدراسات منها ثلاث دراسات اجريت في السويد والصين, واخرها في فنلندا والتي اشارت انه يمكن خفض نسبة الاصابة بداء السكري بين اشخاص كانت اوزانهم مرتفعة (معدل نسب حجم الجسم 31كم2) وكانوا معرضين للاصابة بداء السكري (مرحلة ما قبل داء السكري) وتم ذلك عن طريق اتباع اجراءات تشمل خفض اوزانهم وذلك باتباع حمية تهدف لخفض الوزن مع خفض استهلاك كمية الدهون خاصة الدهون المشبعة وكذلك زيادة استهلاك الالياف في الطعام اضافة الى ممارسة الرياضة وقد ادى ذلك الى خفض اوزانهم بنسبة 5بالمائة (4-6 كجم خلال سنتين) وبعد مرور اربع سنوات من اتباع هذه الاجراءات انخفضت نسبة الاصابة بمرض السكري 58 بالمائة. وهذا يؤكد على اهمية خفض الوزن ودوره في الوقاية من الاصابة بداء السكري.
- اما المصابون بداء السكري فقد اثبتت العديد من الدراسات ان ثقافة المريض بمرضه ومحافظته على علاجه واتباع الحمية بشكل جيد بحيث يكون مستوى السكر في الدم متحكما فيه يؤدي الى خفض نسبة الاصابة بمضاعفات السكري على شبكية العين وكذلك على الكلى والاعصاب. اما بالنسبة لاصابة الشرايين الكبيرة فقد اشارت دراسات اخرى الى انه بالاضافة الى التحكم في مستوى السكر في الدم فان معالجة عوامل الخطورة الاخرى للاصابة بامراض شرايين القلب والمصاحبة في كثير من الاحيان لداء السكري (والتي تشمل ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الدهون في الدم والتدخين) اضافة الى استعمال الاسبرين يؤدي باذن الله الى خفض نسبة الاصابة بامراض شرايين القلب والسكتة الدماغية واصابة شرايين الاطراف.
@ ما دور وزارات الصحة في دول مجلس التعاون؟
- ان وزارات الصحة في دول مجلس التعاون تقع عليها مسئولية كبيرة وهي تنظر الى هذه الارقام. المسئولية عليهم كبيرة نلخصها باهمية بذل الجهد والمال على البرامج الوقائية اذا اردنا ان نخفض نسبة الاصابة بهذه الامراض مجتمعة ونخفض من معاناة المصابين بها اضافة الى خفض تكلفة الرعاية الصحية في المستقبل القريب والبعيد ان هذا يتطلب خططا وبرامج لمواجهة كل عامل من عوامل الخطورة التي اشرنا اليها. نحن نعلم ان مجلس وزراء الصحة بدول مجلس التعاون اصدروا قرارين في يناير 2001 القرار الاول يقضي بتنشيط عمل اللجنة الخليجية لمكافحة امراض القلب والاوعية الدموية (الوعائية) والثاني بتنشيط اللجنة الخليجية لمكافحة داء السكري.
اننا نطالب وزارات الصحة في دول مجلس التعاون باتخاذ الاجراءات الوقائية بشكل اسرع يتناسب مع حجم المشكلة والمعاناة. ان امراض شرايين القلب بدأت تفتك بافراد المجتمع الخليجي وبشكل وبائي، وبنسب تقترب من نسب الاصابة في الدول الغربية، اننا اذا لم نتدخل سريعا بخططنا الوقائية وبتطبيقها فقد نصل يوما الى اللاعودة وبالتأكيد لا احد منا يريد ذلك والله من وراء القصد.