بعد أن أجلت الانتخابات التشريعية الإسرائيلية إلى يناير المقبل في ضوء حل الكنيست بما وصفه شارون بأنه (القرار الأقل سوءا) يظهر في الأفق السياسي للدولة العبرية ان (حكومة تصريف المصالح) الحالية تعد من أقسى الحكومات اليمينية في تاريخ اسرائيل، وقد ولدت بشكل طبيعي نظير ما يتمتع به (البلدوزر) من تطرف أدى الى تعطيل قطار السلام عند قضبانه من جانب، كما ادى في الوقت نفسه الى استمرارية توقد العنف على الاراضي الفلسطينية المحتلة، وتبدو موجة التطرف العارمة واضحة في تفاصيل الخطاب الذي ألقاه شارون في الكنيست حيث صب جام غضبه على حلفائه وخصومه على حد سواء بما يوحي للوهلة الأولى بأنه يريد الفوز في الانتخابات المقبلة (رغم أنوف الجميع) بما يؤكد صحة المقولة الشائعة بأن (الطبع يغلب التطبع) فالخطاب الشاروني المقتضب لا يقل دموية عن ممارساته العسكرية على الأرض، فهو من طوارئ السياسة الاسرائيلية المعتاد منذ ان عرف على استخدام العنف وسفك الدماء والبطش لتمرير مواقفه المتعنتة، وحياته الدموية حافلة لمن اراد العودة اليها بالالتفاف على الديمقراطية واستخدام لغة المراوغة والتلاعب بالألفاظ كلما وجد نفسه محشورا في زاوية معينة أو مأزق من المآزق التي يقود اسرائيل للغرق في بحارها المتلاطمة، وازاء هذه الدموية وسياسة ركوب الرأس فليس من الغرابة ان يلجأ الى وسائل المفاجآت والالتفاف حول معطيات حلفائه وخصومه على حد سواء في تحد واضح للتمسك بكرسيه حتى وان اتهم الجميع بالابتزاز رغم علمه يقينا بتصدع جدران حكومته الائتلافية نتيجة سياسته الموغلة في التطرف والصلف، لاسيما ما يتعلق منها بأزمته مع العرب والفلسطينيين.. فهو يريد تصفية القضية الفلسطينية وتذويبها واطالة امد أزمة الشرق الأوسط برمتها، ولا بأس ان تسربل بثياب الديمقراطية كغطاء يخفي تحته استخفافه بالمواثيق الدولية والقرارات الأممية ومشاريع السلام المطروحة على الساحة، فثمة رسالة شارونية مزدوجة الملامح تكاد لاتخفى عن عيون كل مراقب، فهو يدعي تمسكه بالديمقراطية ومستلزماتها وشروطها امام الاسرائيليين بينما يمارس وجه الرسالة الدموية مع العرب، وتلك رسالة عبثية مكشوفة لن يتمكن شارون من استمرارية خداع العالم بتفاصيلها وجزئياتها المهترئة.